اخوة الايمان موضوعنا اليوم عن اسرار الدعاء والاستجابة
فكم من منكوب اليوم او مبتلى يصيح كلما كابده الهم او سطا عليه الألم، متى يُستجاب دعائي؟ متى يفرج الله تعالى عني، متى سيزول عني هذا البلاء.
وذلك اخوتي الكرام ليس لأن هذا المبتلى هزيل الإيمان أو مريض القلب، كلا، ولكن للألم زفرات، وللقلب حسرات، لا يعلمها إلا فاطر الأرض والسماوات؛ فكلنا اخوة الايمان، هو ذلك المبتلى، فمن منا يعيش قرير العين طوال عمره، منشرح الصرح، مرتاح البال، من منا لم يتعرض للأزمات المالية أو الازمات الصحية من منا لم يفقد في حياته أماً رحيمة أو والداً شفيقاً أو ولداً عزيزاً أو صاحباً غالياً؛ ومن منا يا إخوتي الكرام لم تعصف به الخطوب، ولم يشهد انقلاباتٍ او حروب.
فمهما استقر لامرئ صفو الحال، فإن استمرار الحال من المحال، والحياة تحَبُّ ولا تحابي، فلا بد من ذاك الكدر، والصبر على المصائب من الايمان بالقدر.
وفي غمرة الملمات، وضباب المصائب، غالباً ما ننشغل بالويل والثبور على انفسنا، فهذا يبكي لمصابه وذاك يلطم وجهه، وآخر يشق ثوبه، وهناك من يولول على نفسه، وينعت الساعة والقدر بالظلم (وحاشى لله)، وهذا حال أكثر الناس اليوم، فلا تجد فيهم مصاباً أو مبتلىً إلا وهو ساخط على قدره، متهدل الوجه، منتكس النظرات، منحني الظهر، وكأنه قد عمّر عمر نوح، أو صبر صبر ايوب، فتبيض عيناه من الحزن كما ابيضت عينا يعقوب على يوسف، ويصبح فؤاده فارغاً، كفؤاد أم موسى على موسى؛ وكل ذلك لأن أخاه قد اشترى بيتاً أفضل من بيته، او ان صديقه قد وفق لشراء سيارة يعجز هو عن شرائها؛ فكيف بأصحاب الإبتلاءآت العظيمة، وأصحاب المصائب الجسيمة، ممن قد فقد ثلاثة اولاد دفعة واحدة، تعب على تربيتهم، وتعليمهم حتى أوصلهم لما وصلوا إليه ثم تنالهم أيادي الحقد والطغيان، وكيف بمن يعيشون وكأنهم لا يعيشون، بسبب إعاقاتهم الجسدية او العقلية، فهم في جملة الأموات لكنهم قد حسبوا مع الأحياء.
فهلا تريثنا قليلاً، وهلا فكرنا مليا في سلاح بين ايدينا لكننا قد نبذناه وراء ظهورنا، وتجاهلنا وجوده في حياتنا، سلاح من شأنه أن يحيل الشراب المرّّ حلواً، والعلقم عسلاً، والحنظل تمراً؛ اجل انه بين ايدينا، وفي ظمائرنا ووجداننا، لا يلزمنا معه إلا أن نخلي قلوبنا مما سواه، ونثق بالله تبارك وتعالى، ونسأله سؤل فقير محتاج قد وقف على عتبة بابه، يطلب منه ما هو أيسر عليه من قطرة قد ادخلت في ثقب ابرة، فحاشاه من أن يرده صفراً خائبة يداه، حاشاه حاشاه حاشاه.
ان هذا السلاح هو الدعاء، وحاله حال اي سلاح، ينبغي على من يريد استخدامه ان يفقه كيفية استخدامه، فللدعاء آداب وشروط، واوقات واحوال يستحب فيها الدعاء، لو علمناه والتزمنا بشروط الدعاء، وآدابه لما وجدنا هذا الكم الهائل من الناس اليوم، يقول الواحد منهم، ما لدعوتي لا يستجاب لها، ومتى يستجاب دعائي، ولماذا لا يستجيب الله تبارك وتعالى دعائي، ومثل ذلك الكثير الكثير، وذلك لأننا قد قصرنا في الاستجابة لأوامر الله تعالى والشروط التي ينبغي اتباعها، ليستجاب دعاؤنا.
قيل لإبراهيم بن أدهم ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا وقد قال الله تعالى (ادعوني استجب لكم)، قال لأن قلوبكم ميتة، قيل وما الذي أماتها، قال ثمان خصال:
عرفتم حق الله ولم تقوموا بحقه، وقرأتم القرآن ولم تعملوا بحدوده، وقلتم نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تعملوا بسنته، وقلتم نخشَ الموت ولم تستعدوا له، وقال تعالى ان الشيطان لكم عدواً فاتخذتموه عدوا فواطأتموه على المعاصي، وقلتم نخاف النار وأرهقتم أبدانكم فيها، وقلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها، وإذا قمتم من فرشكم، رميتم عيوبكم وراء ظهوركم، وافترشتم عيوب الناس أمامكم فاسخطتم ربكم فكيف يستجيب لكم.
فحريّ بنا ان نراجع هذه الخصال، وان نخلي قلوبنا منها، قبل ان نتهم ربنا تبارك وتعالى بعدم الاستجابة.
وأما آداب الدعاء فعشرة كما ذكرها الامام الغزالي في الإحياء:
آداب الدعاء:
روى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنَّ الدعاء هو العبادة ثم قرأ (ادعوني استجب لكم).
آداب الدعاء عشرة:
1-
أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة ورمضان من الأشهر ويوم الجمعة من الأسبوع ووقت السحر من ساعات الليل، قال صلى الله عليه وسلم ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الأخير فيقول عز وجل من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له.
2-
أن يغتنم الأحوال الشريفة، قال أبو هريرة رضي الله عنه: إن أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلوات المكتوبة فاغتنموا الدعاء فيها وقال مجاهد إن الصلاة جعلت في خير الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصلوات. وقال صلى الله عليه وسلم: الدعاء بين الأذان والإقامة لا يردّ. وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: الصائم لا تردُّ دعوته. وحالة السجود أيضاً أجدر بالإجابة، قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء.
3-
أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه بحيث يرى بياض إبطيه وروى جابر ابن عبد الله أن رسول الله صلى ا لله عليه وسلم أتى الموقف بعرفة واستقبل القبلة ولم يزل يدعو حتى غربت الشمس. وقال سلمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ربكم حييٌ كريم يستحي من عبيده إذا رفعوا أيديهم أن يردها صفراً.
وروى انس أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه في الدعاء. ولا يرفع بصره إلى السماء، قال صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء أو لتخطفن أبصارهم.
4-
خفض الصوت بين المخافتة والجهر، قالت عائشة رضي الله عنها في قوله عز وجل (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) أي بدعائك.
وقد أثنى الله عز وجل على نبيه زكريا عليه السلام حيث قال ( اذ نادى ربه نداءً خفيا ) وقال عز وجل (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية ).
5-
أن لا يتكلف السجع في الدعاء فإن حال الداعي ينبغي أن يكون حال متضرع والتكلف لا يناسبه، قال صلى الله عليه وسلم سيكون قوم يعتدون في الدعاء، وقد قال عز وجل (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية انه لا يحب المعتدين ) قيل معناه التكلف للاسجاع.
وقال بعضهم: ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق.
6- التضرع والخشوع والرغبة والرهبة قال الله تعالى ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهبا ).
7- أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مكره له.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء. وقال صلى الله عليه وسلم ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله عز وجل لا يستجيب دعاء من قلب غافل.
8- أن يلحّ في الدعاء ويكرره ثلاثاً.
وينبغي أن لا يستبطئ الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي، فإذا دعوت فاسأل الله كثيراً فإنك تدعو كريماً.
وقال صلى الله عليه وسلم إذا سأل أحدكم ربه مسألة فتعرّف الإجابة فليقل الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات ومن أبطأ عنه من ذلك فليقل الحمد لله على كل حال (اخرجه البيهقي في الدعوات، والحاكم نحوه من حديث عائشة مختصراً بإسناد ضعيف).
9- أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل فلا يبدأ بالسؤال، قال ابو سليمان الداراني رحمه الله من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما.
10- الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة، التوبة وردّ المظالم والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمّة فذلك هو السبب القريب في الإجابة.
قال مالك بن دينار أصاب الناس في بني إسرائيل قحط فخرجوا مراراً فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إلي بأبدان نجسة وترفعون إلي أكفّاً قد سفكتم بها الدماء وملأتم بطونكم من الحرام، الآن قد اشتدّ غضبي عليكم ولن تزدادوا مني إلا بعداً.
وقال أبو الصديق الناجي خرج سليمان عليه السلام يستسقي فمرَّ بنملة ملقاة على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب غيرنا، فقال سليمان عليه السلام ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.
ما دمت تدعو ربك، فلا يأس ولا قنوط ولا اكتئاب ولا امراض نفسية، وكما يقول الحكماء ان الناس يذهبون الى الطبيب لا ليعالجهم ولكن ليستمع إليهم، فمع ضغوطات الحياة، يحتاج المرء إلى من يبث إليه شكواه، ويعينه ويؤازره ليتمكن من مواجهة مشاكله العظام، فالبشر لا حول له ولا قوة، وكل منا يشعر في لحظة ما بالضعف ويحتاج إلى من يساعده في حل مشاكله، والأفضل ان يكون حكيماً كي لا يعينه على الخروج من مأزق للوقوع في آخر، فهل هناك أحكم وأعلم وأعظم من الله تبارك وتعالى، كي تبثه شكواك وتفضي إليه بسرّك وتسأله المعونة على جميع المصائب والمصاعب؛ فمهما استعنت بصديق او رفيق او طبيب او حكيم او والد او والدة او اخ او اخت، فإن لكل انسان مشاغله الخاصة، ومن الممكن ان يصغي إليك ساعة او ساعتين، وليكن ذلك مرة او مرتين، ثم إن كررت الذهاب إليه والتشكي او طلب المعونة، فإنه سرعان ما يظهر لك تضجراً مضمرا، أو تلفتاً عن كلامك، او تجاهلاً لحاجتك، وهذا ليس لسوء فيه بل هذا هو طبع اكثر الخلق، وجرب ذلك على نفسك، فستجد تضجراً وتبرماً ممن يكرر إليك السؤال ويطلب منك الحاجة، وقد تحاول التهرب منه احياناً، فإن ما في كل انسان يكفيه، فهموم الحياة ومتاعبها كفيلة بأن تنسي الواحد من الناس خبر موتي او موتك، كما قال "ديل كارنيجي" في كتابه الشهير "دع القلق وابدأ الحياة".
قال تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد، إن يشأ يذهبكم ويأتِ بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز)،
وقال عز من قائل (أليس الله بكافٍ عبده)،
وقال تعالى (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده).
قال الحكيم:
ما لي أذلّ لمخلوقٍ على طمعٍ *** هلاّ سألتُ الذي أعطاه يعطيني
فكسرةٌ من رغيف الخبز تشبعني *** وقطرةٌ من نمير الماء تكفيني
وقطعة ٌ من غليظ الصوف تسترني *** حياً وإن متُّ تكفيني لتكفيني
وقال الآخر:
لا تسألنَّ بُنيّ آدم حاجةً *** وسَل الذي أبوابه لا تُحجبُ
فالله يغضبُ إن تركت سؤالهُ *** وبُني آدم حين يُسألُ يغضبُ
ويقول آخر:
إذا عرضت ليَ في زمانيَ حاجةٌ *** وقد أشكلتْ فيها عليَّ المقاصدُ
وقفتُ ببابِ الله وقفةَ ضارعٍ *** وقلتُ إليهي إنني لكَ قاصدُ
ولستَ تراني واقفاً عند بابِ منْ *** يقول فتاهُ سيدي اليوم راقدُ