التغيرات وضرورة الثبات
د. محمد العريفي
قرأت أن شاباً مسلماً في بريطانيا اطلع على إعلان لإحدى الشركات حول حاجتها إلى موظفين يعملون في الحراسات.
أقبل إلى اللجنة المختصة بمقابلة المتقدمين فإذا جمع كبير من الشباب ما بين مسلمين وغير مسلمين، كلما خرج شخص من المقابلة سأله الواقفون عن ماذا سألوك؟ وبماذا أجبت؟.
كان من أهم أسئلتهم : كم كأساً تشرب من الخمر يومياً ؟!
جاء دور صاحبنا فدخل وتتابعت عليه الأسئلة حتى سألوه : كم تشرب من الخمر؟.
فقال : أنا لا أشرب الخمر.
قالوا : لماذا !! هل أنت مريض؟!.
قال : لا، لكني مسلم والخمر حرام.
قالوا : يعني لا تشربها حتى في عطلة آخر الأسبوع؟!.
قال: لا.. فنظر بعضهم إلى بعض متعجبين.
فلما ظهرت النتائج فإذا اسمه في أوائل المقبولين.
بدأ عمله معهم ومضى عليه أشهر وفي يوم لقي أحد المسئولين في تلك المقابلة وسأله : لماذا كنتم تكررون سؤالي عن الخمر ؟!.
فقال: لأن الوظيفة المطلوبة هي في الحراسات وكلما توظف فيها شاب فوجئنا به يشرب الخمر ويسكر فيضيع مكانه ويهجم على الشركة من يسرقها فلما وجدناك لا تشرب الخمر عرفنا أننا وقعنا على مبتغانا فوظفناك هنا !!
ما أجمل الثبات على المبادئ وإن كثرت الإغراءات المشكلة أننا نعيش في مجتمعات قلَّ أن تجد فيها من يتمسك مبادئه يعيش من أجلها ويموت من أجلها ويثبت على الالتزام بها وإن كثرت الإغراءات.
إذا مشيت على الصحيح والتزمت بالصراط المستقيم فأصحاب المبادئ الأخرى لن يتركوك فعدم قبولك للرشوة يغضب زملاءك المرتشين وامتنعاك عن الزنا يغضب الفاعلين !!.
ذُكر أن عمر بن الخطاب كان يعِسّ ليلة من الليالي يراقب وينظر فمر بأحد البيوت في ظلمة الليل فسمع فيه رجال سكارى فكره أن يطرق عليهم الباب ليلاً وخشي أن يكون ظنه خاطئاً وأراد أن يتثبت من الأمر ..فتناول كسرة فحم من على الأرض ووضع بها علامة على الباب ومضى.
سمع صاحب الدار صوتاً عن الباب فخرج فرأى العلامة ورأى ظهر عمر مولياً ففهم القصة.
فكان الأصل أن يمسح العلامة وينتهي الأمر لكن الرجل لم يفعل ذلك وإنما أخذ كسرة الفحم وأقبل إلى بيوت جيرانه .. وجعل يرسم على أبوابها علامات.
وكأنه يريد أن ينزل الناس إلى مستواه ويكونون مثله ولا يريد أن يرتفع إلى مستواهم وفي المثل: ودت الزانية لو أن النساء كلهن زنين.
من التجارب في حياتنا أن تجد زوجة كثيرة الكذب على زوجها تربت على ذلك وتعودت عليه فإذا رأت من تنكر عليها وتنصحها بالصدق حاولت أن تجرها إلى مستنقعها فكررت عليها: الرجال ما يصلح معهم إلا كذا.. ما تمشي أمورك معه إلا بالكذب فلا تزال بها حتى تتنازل عن مبادئه وتتغير أو ربما تثبت ولعلها.
وقل مثل ذلك في مسئول حسن الخلق مع موظفيه ويرى أن هذا مما يفيد العمل ويزرث الراحة في قلوبهم ويزيد الإنتاج فيلقاه مسئول سيء الخلق مبغوض من قِبَل موظفيه فيحسده – ربما – أو يريد أن يقنعه بأسلوب آخر في التعامل فيقول له: لا تفعل كذا.. وافعل كذا ولا تبتسم ولا.
أو صاحب بقالة لا يبيع السجائر فيحول أن يقنعه فكن بطلاً واثبت على مبادئك وقل بأعلى صوتك : لا مهما أغروك.
وقديماً حاول الكفار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنازل عن مبادئه فقال الله له : ( ودوا لو تُدْهن فيدهنون ).
يعني أنهم لا مبادئ عندهم أصلاً ليحافظوا عليها وبالتالي لا مانع عندهم من التنازل عن مبادئهم فانتبه أن يغروك بترك مبادئك.