إسمحوا لي إخوتي أن أعود بكم إلى الوراء لأحكي لكم قصة عن العشقي والوفاء.,.,.
كان معاوية بن ابي سفيان جالسا ذات يوم بمجلس كان له بدمشق على قارعة الطريق, وكان المجلس مفتح الجوانب لدخول النسيم, فبينما هو على فراشه واهل مملكته بين يديه إذ نظر إلى رجل يمشي نحوه وهو يسرع في مشيته راجلا حافيا, وكان ذالك اليوم شديد الحر فتأمله معاوية. ثم قال لجلسائه : لم يخلق الله ممن احتاج إلى نفسه في مثل هذا اليوم , ثم قال سر إليه, وكشف عن حاله وقصته, فوالله لئن كان مظلوما لأنصرنه , ولئن كان فقيرا لأغنينه, ولإن كان شاكيا لأنصفنه, فخرج إليه الرسول ملتقيا فسلم عليه فرد السلام وقال سيدي أنا رجل اعرابي أقبلت إلى امير المؤمنين مشتكيا إليه بظلامة نزلت بي من بعض عماله ثم وقف بين يدي الخليفة ثم قال:
معاوي ياذا العلم والحلم والفضل وياذا الندى والجود والنابل الجزل
أتيتك لما ضاق في الأرض مذهبي فيا غيث لا تقطع رجائي من العدل
وجد لي بإنصاف من الجائر الذي شواني شيا كان أيسره قتلي
سباني سعدى ونبرى لخصومتي وجار ولم يعدل وأغصبني أهلي
أغثني جزاك الله عني جنة فقد طار من وجد بسعدى لها عقلي
فلما فرغ من شعره قال له معاوية : ياأعرابي إني أراك تشتكي عاملا من عمالنا ولم تسمه لنا قال: أصلح الله أمير المؤمنين هو والله ابن عمك مروان عامل المدينه قال معاوية: وما قصتك معه؟ قال: كانت لي إبنت عم خطبتها إلى أبيها فزوجني منها وكنت كلفا بها لما كانت فيه من كمال جمالها وعقلها والقرابه فبقيت معها في أصلح حال وأنعم بال وكانت لي مجموعة من إبل وشويهات فكنت أعولها بها فدارت عليها أقضية الله فوقع بها داء فذهبت بقدرة الله فساءت حالي فلما بلغ ذلك أباها حال بيني وبينها فأتيت عامل المدينه مشتكيا فبعث إليه وقال له ياأيها الرجل لم حلت بين ابن أخيك وزوجته؟ قال ليس له عندي زوجة ولا زوجته إبنتي قط فقلت: أرجوا من الأمير أن يبعث إليها وسمع منها فبعث إليها فلما وقفت بين يديه ونظر إليها زإلى حسنها وقعت منه موقع الإعجاب والإستحسان فصار لي خصما وأمر بي إلى السجن ثم قال لولدها :هل لك أن تزوجها مني وأنقدك ألف دينار وأنا أضمن طلاقها؟ قال له أبوها: إن أنت فعلت زوجتك منها ثم جاء مروان إلي وقال ياإعرابي طلق سعاد فأبيت فأمر بضربي ثم ردني إلى السجن فلما كان من الغد قال علي بالأعرابي فلما وقفت بين يديه قال: علي بسيف و ثم قال وجلالة ربي لإن لم تطلق سعاد لأفرقن بين جسدك وموضع لسانك فخشيت القتل فطلقتها طلقة واحده ثم حبسني حتى تمت عدتها ثم تزوجها ثم أطلقني فأتيتك مستغيثا ثم إنتحب حتى كادت نفسه تفيض فقال معاوية : إعتدى مروان ضرار في حدود الله وقال علي بصاحب البريد فلما وقف بين يديه قال: أخرج بهذا الكتاب إلى مروان بين الحكم ولاتضعاه إلى بين يديه فخرجا بالكتاب حتى وردى عليه ثم ناولاه إياه فقره مروان ثم قام ودخل على سعدى وهوباك ثم قال كتاب لاأمير المؤمنين ورد علي في أمرك يأمرني فيه أن أطلقك وأبعث بك إليه
فأتت الجارية إلى الخليفة ثم أمر بها فأدخلت عليه فإذا هي بإمرأة حسناء لاتبقي لناظرها عقلا من حسنها فعجب معاوية من جمالها ثم قال إن هذه الجارية والله لكاملة الخلق فإن كملت لها النعمة مع حسن الصفة لقد كملت النعمة لمالكها:/فقال: علي بالأعرابي ثم قال له معاوية هلك عنها بشىء فأعطيك إياه,فلما تم معاوية كلامه غشي على الأعرابي فلما أفاق قال له معاوية ما بلك؟ قال: شر بال, وأسوء حال, أعوذ بعدلك من جور مروان ثم قال:والله يا أمير المؤمنين لو أعطيتني كل ما احتوته الخلافة مارضيت به دون سعاد فقال معاوية:إنك مقر على أنك طلقتها ولكن نخيرها بيننا ثم قال: ياسعاد أينا أحب إليك أمير المؤمنين في عزه وشرفه أو مروان في غصبه واعتدائه أو هذا الأعرابي في جوعه وفقره؟ فأشارت الجارية نحو ابن عمها الأعرابي ثم قالت:
هذا وإن كان في جوع وأطمار أعز عندي من أهلي ومن جاري
وصاحب التاج أو مروان عامله وكل ذي درهم منهم وديناري
فعجب معاوية ومن معه من جلسائه من عقلها وكمالها ومروءتها وامر لها بجهازها من مروان وعطاء من بيت مال المسلمين وانقدهما مالا ليعيشا بأحسن حال
أرجوا أن تنال إعجابكم