االتدبر في القران الكريم .. خطواته
صحيح ان القرآن الكريم فيه هدى ونور، فيه شفاء ورحمة، فيه الكنوز واللآلئ، الا ان القرآن كتاب هداية لمن هيأ في نفسه مقدماتها، وهو نور لمن ارد ان يستنير به، فيه شفاء للمؤمن به ورحمة للعامل بتعاليمه، فيه الكنوز لمن يبحث عنها وفيه اللئاليء لمن يغوص الاعماق ليستخرجها مهما كلف الامر. ومن هنا فأول خطوة يخطوها المرء ليستخرج من القرآن الكريم اجوبة لاسئلته وحلولاً لواقعه هي ان يتجاوز العقبات الموجودة في طريق التدبر في القران الكريم، والتي حولت القرآن الكريم من مخطط للحياة الى كتاب محدود لا تتجاوز صلاحياته مجالس الفاتحة والعرائس ليكون في الاول ثواباً للميت وفي الثاني مهراً للزوجة. ولا اريد سرد كل العقبات القابعة في طريق الاستفادة الكاملة من القرآن الكريم باعتبارها عديدة لا يمكن تجاوزها بسهولة، وانما اود التركيز على اهم عقبة التي خلفت هجران القرآن الكريم، الا وهي العقبة الواقفة امام التدبر والشبهات التي تحوم حول هذه العملية المنهجية.لنذكر معاً بعض الشبهات لنضع النقاط على الحروف كي يستطيع القارئ اللبيب ان يميز الحق من الباطل.
النهي عن "التفسير بالرأي" وليس "التدبر"
لقد نهت الروايات الشريفة عن (التفسير بالرأي)، وهددت من يفعل ذلك بنار جهنم، وقالت: (من فسر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ فهوى أبعد من السماء)( 1)، (من فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر)(2 ). ولكن ما هي نتيجة هذا الفعل؟ عن ذلك يجيبنا حديث آخر فيقول: (من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) ( 3). وفي مواجهة هذا المنطق لابد من القول بأن "التفسير بالرأي" لا يعني "التدبر في القرآن". إذ إن هذه الروايات لا يمكن أن تنهى عن نفس ما أمر به القرآن الكريم والروايات الشريفة، كما قال ربنا في محكم كتاب : { ليدبروا اياته}، و} افلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها {، بل إنها تعني أحد المحتملات التالية:
1-أن يحمل الفرد آراءه الشخصية على تفسير معاني آيات القرآن بأحد الأشكال التالية:
أ- حمل اللفظ على خلاف ظاهره.
ب- الاستبداد في تأويل الآيات القرآنية.
أما الأسباب الكامنة وراء هذا (التحريف المعنوي) الذي يأتي تلبية لآراء الفرد هي: أولاً: الأهواء الشخصية للفرد: إن بعض من لم يدخل نور الإيمان قلوبهم يحاولون أن يخضعوا آيات القرآن لأهوائهم وشهواتهم، لذلك فهم يحاولون فهم الآيات القرآنية (بآرائهم) - أي حسب أهوائهم وشهواتهم.إن الآية تقول: ((يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُور، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا)) وهي تعني أن الناس - تجاه إنجاب الذرية - على أربعة أقسام، فقسم لا يولد له إلا الإناث، وقسم لا يولد له إلا الذكور، وثالثٌ يولد له الاثنان معا، ورابعٌ لا يولد له أي واحد منهما، بل يظل عقيما.ولكن يحيى بن أكثم اقتطع هذه الجملة من القرآن، وفصلها عن سياقها العام لكي يرضي أهواءه وشهواته.
والآن لنستمع إلى حوار بين يحيى بن أكثم وبين الإمام الهادي (عليه السلام) في هذا الصدد، فقد سأل الإمام عن قوله تعالى: ((أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا))، فأجاب الإمام (عليه السلام): (أي يولد له الذكور، ويولد له إناث. يقال لكل اثنين مقرنين: زوجان، كل واحد منهما زوج) وأضاف وهو يضرب على الوتر الحساس: (ومعاذ الله أن يكون الجليل -أي الله تعالى- ما لبست به على نفسك، تطلب الرخص لارتكاب المآثم، ((وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْق أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيه مُهَانًا)) ) واستدرك الإمام قائلا: (إن لم يتب). أن هذا الشكل من التحريف المعنوي هو الذي يصدق عليه - حسب الاحتمال الأول - (من فسر القرآن برأيه) أي حسب أهوائه وشهواته.
2- اما المعنى الثاني للـ(التفسير بالرأي) فهو التسرع في تفسير الآيات القرآنية على حسب ما يظهر للفرد في بادئ الرأي، ووفق ما توحي إليه ظنونه الأولية من دون الاستيقان ومن دون الرجوع إلى سائر الآيات والروايات الواردة في ذلك الموضوع.ذلك لأن (الرأي) في اللغة العربية يعني: الظن والتخمين ، فالتفسير بالرأي - وفقا لهذا الاحتمال - يعني: أن يفسر القرآن بسبب بعض الظنون النيئة التي لم تنضج بعد، رغم ((إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)) - كما يؤكده القرآن الكريم.مثل من يقرأ قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَة)) فيبادر إلى القول: (إن فكرة الشفاعة هي فكرة خرافية، وأن القرآن قد نفاها من الأساس) أو يرى قوله تعالى: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) فيتصور الله جسما قد تربع على عرشه العظيم.
3- فهم آيات القرآن الكريم المرتبطة بالأحكام والآيات والمتشابهة والآيات المجملة وما شابه بعيداً عن روايات أهل البيت عليهم (الصلاة والسلام)، وبدون توفير قاعدة علمية رصينة تؤهل الإنسان للاستنباط، ذلك لأنه في عهد الرسالة كان النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) هو الذي يشرح للمسلمين الآيات الغامضة المبهمة، وفي ذلك يقول الله سبحانه: ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم))، ولكن، ماذا بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟.
لقد خلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعده كتاب الله والعترة، وقد قرن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن بالعترة في أحاديث كثيرة ، من هنا فإن أية محاولة للفصل بينهما هي محاولة خاطئة، ويؤيد ذلك أن كثيراً من الروايات التي ورد فيها النهي عن (التفسير بالرأي) جاءت ردا على أولئك الذين كانوا يحاولون فهم القرآن بعيدا عن أهل البيت (عليهم السلام)، بل ونقيضا لهم - في بعض الأحيان - كقتادة وغيره. كما جاءت مجموعة من الروايات في هذا الصدد منها: ما روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): (إنما هلك الناس في المتشابه، لأنهم لم يقفوا على معناه، ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا عن مسألة الأوصياء فيعرِّفونهم) ومنها ما روي عنه - أيضا: (إنهم -أي المخالفين- ضربوا القرآن بعضه ببعض، واحتجوا بالمنسوخ، وهم يظنون أنه الناسخ، واحتجوا بالخاص، وهم يظنون أنه العام، واحتجوا بأول الآية، وتركوا السنة في تأويلها، ولم ينظروا إلى ما يفتح به الكلام وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا موارده ومصادره، إذ لم يأخذوه عن أهله، فضلوا وأضلوا). كانت هذه اهم شبهة من الشبهات الواقفة في طريق التدبر في القرآن الكريم، ونترك الحديث عن سائر الشبهات الى العدد القادم باذن الله تعالى
صحيح ان القرآن الكريم فيه هدى ونور، فيه شفاء ورحمة، فيه الكنوز واللآلئ، الا ان القرآن كتاب هداية لمن هيأ في نفسه مقدماتها، وهو نور لمن ارد ان يستنير به، فيه شفاء للمؤمن به ورحمة للعامل بتعاليمه، فيه الكنوز لمن يبحث عنها وفيه اللئاليء لمن يغوص الاعماق ليستخرجها مهما كلف الامر. ومن هنا فأول خطوة يخطوها المرء ليستخرج من القرآن الكريم اجوبة لاسئلته وحلولاً لواقعه هي ان يتجاوز العقبات الموجودة في طريق التدبر في القران الكريم، والتي حولت القرآن الكريم من مخطط للحياة الى كتاب محدود لا تتجاوز صلاحياته مجالس الفاتحة والعرائس ليكون في الاول ثواباً للميت وفي الثاني مهراً للزوجة. ولا اريد سرد كل العقبات القابعة في طريق الاستفادة الكاملة من القرآن الكريم باعتبارها عديدة لا يمكن تجاوزها بسهولة، وانما اود التركيز على اهم عقبة التي خلفت هجران القرآن الكريم، الا وهي العقبة الواقفة امام التدبر والشبهات التي تحوم حول هذه العملية المنهجية.لنذكر معاً بعض الشبهات لنضع النقاط على الحروف كي يستطيع القارئ اللبيب ان يميز الحق من الباطل.
النهي عن "التفسير بالرأي" وليس "التدبر"
لقد نهت الروايات الشريفة عن (التفسير بالرأي)، وهددت من يفعل ذلك بنار جهنم، وقالت: (من فسر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ فهوى أبعد من السماء)( 1)، (من فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر)(2 ). ولكن ما هي نتيجة هذا الفعل؟ عن ذلك يجيبنا حديث آخر فيقول: (من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) ( 3). وفي مواجهة هذا المنطق لابد من القول بأن "التفسير بالرأي" لا يعني "التدبر في القرآن". إذ إن هذه الروايات لا يمكن أن تنهى عن نفس ما أمر به القرآن الكريم والروايات الشريفة، كما قال ربنا في محكم كتاب : { ليدبروا اياته}، و} افلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها {، بل إنها تعني أحد المحتملات التالية:
1-أن يحمل الفرد آراءه الشخصية على تفسير معاني آيات القرآن بأحد الأشكال التالية:
أ- حمل اللفظ على خلاف ظاهره.
ب- الاستبداد في تأويل الآيات القرآنية.
أما الأسباب الكامنة وراء هذا (التحريف المعنوي) الذي يأتي تلبية لآراء الفرد هي: أولاً: الأهواء الشخصية للفرد: إن بعض من لم يدخل نور الإيمان قلوبهم يحاولون أن يخضعوا آيات القرآن لأهوائهم وشهواتهم، لذلك فهم يحاولون فهم الآيات القرآنية (بآرائهم) - أي حسب أهوائهم وشهواتهم.إن الآية تقول: ((يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُور، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا)) وهي تعني أن الناس - تجاه إنجاب الذرية - على أربعة أقسام، فقسم لا يولد له إلا الإناث، وقسم لا يولد له إلا الذكور، وثالثٌ يولد له الاثنان معا، ورابعٌ لا يولد له أي واحد منهما، بل يظل عقيما.ولكن يحيى بن أكثم اقتطع هذه الجملة من القرآن، وفصلها عن سياقها العام لكي يرضي أهواءه وشهواته.
والآن لنستمع إلى حوار بين يحيى بن أكثم وبين الإمام الهادي (عليه السلام) في هذا الصدد، فقد سأل الإمام عن قوله تعالى: ((أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا))، فأجاب الإمام (عليه السلام): (أي يولد له الذكور، ويولد له إناث. يقال لكل اثنين مقرنين: زوجان، كل واحد منهما زوج) وأضاف وهو يضرب على الوتر الحساس: (ومعاذ الله أن يكون الجليل -أي الله تعالى- ما لبست به على نفسك، تطلب الرخص لارتكاب المآثم، ((وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْق أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيه مُهَانًا)) ) واستدرك الإمام قائلا: (إن لم يتب). أن هذا الشكل من التحريف المعنوي هو الذي يصدق عليه - حسب الاحتمال الأول - (من فسر القرآن برأيه) أي حسب أهوائه وشهواته.
2- اما المعنى الثاني للـ(التفسير بالرأي) فهو التسرع في تفسير الآيات القرآنية على حسب ما يظهر للفرد في بادئ الرأي، ووفق ما توحي إليه ظنونه الأولية من دون الاستيقان ومن دون الرجوع إلى سائر الآيات والروايات الواردة في ذلك الموضوع.ذلك لأن (الرأي) في اللغة العربية يعني: الظن والتخمين ، فالتفسير بالرأي - وفقا لهذا الاحتمال - يعني: أن يفسر القرآن بسبب بعض الظنون النيئة التي لم تنضج بعد، رغم ((إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)) - كما يؤكده القرآن الكريم.مثل من يقرأ قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَة)) فيبادر إلى القول: (إن فكرة الشفاعة هي فكرة خرافية، وأن القرآن قد نفاها من الأساس) أو يرى قوله تعالى: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) فيتصور الله جسما قد تربع على عرشه العظيم.
3- فهم آيات القرآن الكريم المرتبطة بالأحكام والآيات والمتشابهة والآيات المجملة وما شابه بعيداً عن روايات أهل البيت عليهم (الصلاة والسلام)، وبدون توفير قاعدة علمية رصينة تؤهل الإنسان للاستنباط، ذلك لأنه في عهد الرسالة كان النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) هو الذي يشرح للمسلمين الآيات الغامضة المبهمة، وفي ذلك يقول الله سبحانه: ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم))، ولكن، ماذا بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟.
لقد خلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعده كتاب الله والعترة، وقد قرن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن بالعترة في أحاديث كثيرة ، من هنا فإن أية محاولة للفصل بينهما هي محاولة خاطئة، ويؤيد ذلك أن كثيراً من الروايات التي ورد فيها النهي عن (التفسير بالرأي) جاءت ردا على أولئك الذين كانوا يحاولون فهم القرآن بعيدا عن أهل البيت (عليهم السلام)، بل ونقيضا لهم - في بعض الأحيان - كقتادة وغيره. كما جاءت مجموعة من الروايات في هذا الصدد منها: ما روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): (إنما هلك الناس في المتشابه، لأنهم لم يقفوا على معناه، ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا عن مسألة الأوصياء فيعرِّفونهم) ومنها ما روي عنه - أيضا: (إنهم -أي المخالفين- ضربوا القرآن بعضه ببعض، واحتجوا بالمنسوخ، وهم يظنون أنه الناسخ، واحتجوا بالخاص، وهم يظنون أنه العام، واحتجوا بأول الآية، وتركوا السنة في تأويلها، ولم ينظروا إلى ما يفتح به الكلام وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا موارده ومصادره، إذ لم يأخذوه عن أهله، فضلوا وأضلوا). كانت هذه اهم شبهة من الشبهات الواقفة في طريق التدبر في القرآن الكريم، ونترك الحديث عن سائر الشبهات الى العدد القادم باذن الله تعالى