الحلقة (2)
أدوات العلم
الحمد لله وأصلي وأسلم على رسول الله، وبعد:
لقد تكمنا عن الايمان بالحلقة الأولى وأنه يتكون من ثلاث حقائق, وتكلما عن الحقيقة الأولى وهي اليقين الذي يستمر بالقلب وتطمئن به النفوس, وإذا أردت أن أقنعكم بشيء وأريد أن تطمئن قلوبكم له فسأضرب مثال بهذا القلم, أريد أن أقنعكم أنه قلم, وهذه ورقة بيضاء وسأكتب عليها بهذا القلم, واقتنعتم الآن أن هذا قلم بعد أن رأيتم الكتابة بهذا القلم, أنا ما فعلت لكم شيء لكي أقنعكم أن هذا قلم, ولا هددتكم بسلاح لكي تصدقوني أن هذا قلم, لكن صدقتم أن هذا قلم, وأيقنتم بذلك,
ولو قلت لكم أريد أن تجاملوني الآن وأن تصدقوني أن هذا ثعبان!! من يصدق ؟.
لن يصدق أحد, ولو أني قلت لو واحد صدق سأعطيه مليون درهم, أعرف أن بعضكم سيقول نحن مستعدين, ولكن الذي أخذ هذا المال من داخل قلبه سيقول إن هذا ليس ثعبان, بل قلم, فالمال لا ينشأ يقيناً.
ولو أني أخذت رشاش وهددت تصدق أم لا بأن هذا ثعبان!! فسيقول نعم هذا ثعبان؛ لكن هل حقيقة صدَّق؟, لا يمكن أن يصدق لا بالتهديد ولا بالإغراء, فنستفيد من هذا أن اليقين لا ينشأ بالمال ولا يُكوَّنه التهديد, فأنه يرفض ذلك كله, ولا تستطيع الأموال ولا التهديد مهما بلغ أن يخترق القلب ويصل إلى موقع اليقين؛ لكن الحجة والبرهان تصل, وتحقق اليقين بالقلب, وتمكنه من النفس؛ لذلك عندما أرسل الله الرسل أرسلهم بالبينات لتقوم الحجة على ذلك قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ ]الحديد:25[
وهذه البينات والحجج, وهذا البرهان يظهر اليقين بالقلب؛ وهو الاطمئنان النفسي, وإلى هذا اليقين الجازم الصادق ترشد الآيات الآتية قال تعالى: ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾]التكاثر: 3-5[
فالعلم إذا قام على الدليل والحجة الواقعة كان علم يقين, ولكي يتحقق لنا هذا اليقين في قضايا الإيمان بالله, ونريد إيماناً بالله يقوم على الإيمان واليقين بالقلب والاطمئنان والرضا, ولقد تكفل الله تعالى بهذه المسألة, إنها القضية الأولى في الإيمان, إنها القضية الأولى في الدين كله.
القضية الأولى هي اليقين والاطمئنان وإقامة الحجج والبراهين, وعلى أن الله حق, وأن الرسول حق, وأن الجنة حق, وأن النار حق, فإذا تكفل الله بهذه الأدلة, وقال: أنا الذي سأقيم تلك الأدلة وأقيم تلك الحجج, وسوف أؤيد بها الرسل عليهم الصلاة والسلام.
وما تضنون بعد ذلك بقضية, الله تكفل بإقامة براهينها وتوضيح معجزاتها, إنها قضية الإيمان.
إن الله سبحانه وتعالى قد بدأ فخلق في الإنسان أداوتا للعلم كُلفت أن يعلم, فخلق له من أدوات العلم: سمع وبصر وفؤاد, هذا السمع الذي منحك, هذا السمع يريدك أن تسمع, وأن كان يريدك لا تسمع ما عطاك سمع,! فيا أيها الإنسان لما منحك الله هذا الجهاز السمعي يريدك أن تسمع, وأول شيء أن تسمع؛ هو كلامه, وأول شيء أراد أن تبصر بهذا الجهاز البصري الدقيق المحكم يردك أن ترى آياته التي تدلك عليه سبحانه وتعالى.
إنه سبحانه جعل لك هذه القوى الواعية من الفؤاد والقلب والعقل, هذه القوى العاقلة فيك التي تفكر وتدبر الأمور, هذه القوة يريدك أن تفكر بها, وأعطاك إياها, ولو شاء لما اعطاك إياها, ولو شاء لسحبها منك,! ولو شاء لما أعطاك عقل, أتظن أن أعطاك هذه القوى العاقلة المفكرة! ثم لا يكلفك بمعرفته والتفكر في أمره سبحانه وتعالى, ومعرفة رسله عليه الصلاة والسلام, وقد أقام عليك الحجة, وخلق لك أدوات العلم قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ ]النحل: 78[.
ولو جئنا بأكبر شخصية في العالم وسلبنا منها سمعها وبصرها وفؤادها والقوة الواعية فيها, ماذا يبقى؟ أي قيمة لشخص أصم لا يسمع, أعمى لا يبصر, مجنون لا يعقل؟! قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ﴾ ]الأنعام: 46[.
إن الذين يعطلون أدوات العلم هذه, فلا يستعملون السمع في سماع كلام الله, ولا البصر في النظر الى آيات الله, ولا العقل والتفكير في معرفة الله جل وعلا, وبمعرفة رسوله, ومعرفة وعده ووعيده, هؤلاء هم الغافلون الذين يستيقظون لحظة الموت فيندمون ولا ينفعهم الندم, قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ﴾ ]الأعراف: 179 [.
بعض الناس عندما يرى الحضارة والبحر والناس لا يهتمون بالدين فيغتر بذلك؛ ولكنه ينتبه عند الموت.
في مرة أردت أن أكشف لأحد الأساتذة البروفسورات الذين قابلتهم, اكشف لهم حقيقة هذا الأمر وكان ذلك هو البروفيسور كروستوفر باليس, وهو أحد العلماء الذين يمتحنون الأطباء الذين يريدون الفوز بدرجة الزمالة في الجمعية البريطانية الطبية, جلست معه, وقلت له: هل خلقت العين لحكمة؟ قال: نعم, والعين والأنف خلق لحكمة؟ قال: نعم, وذكرت له أعضاء جسم الإنسان, فقال لي: أنت تكلمني عن علم كامل؛ هو علم وظائف الأعضاء لا يمكن لأي طبيب أن يتخرج من كلية الطب إلا إذا درس هذا العلم, ـ علم وظائف الأعضاء ـ, قلت له: شكراً فهل أحكمت هذه الأجزاء يا بروفسور من أجل نفسها؟ أو من أجل الكل؟ فضحك, وقال: أرأيت لو جئنا بالجهاز الهضمي وحده من دون الجسد هل له قيمة؟ قلت له: لا, فقال: كيف تقول أحكمت لنفسها, ما أحكمت إلا للكل! قلت له: لقد أجبتك يا بروفسور, وقد أجبتني, شكراً, وبقي لدي سؤال: هذا الكل ما الحكمة منه؟ لماذا خلق؟ فبهت, ثم قال: هذه فلسفة. وعندهم الفلسفة: أي الشيء المحتمل صدق وكذب, قال هذه فلسفة, قلت له: هذه هربة, أنت هربت الآن قبل قليل كانت علم وظائف الأعضاء علم, ولما جئنا إلى هذا الكل هربت,! وأنا أعلم أنك سوف تهرب؛ لأن الحكمة لا تعرف إلا بتعليم من الذي خلق هذا الإنسان؛ لأنها تختفي بنفس الخالق جل وعلا, قلت: لكن بقي لدي سؤال يا بروفسور, قال: ما هو؟ قلت: له لابد أن أتأكد, الجزمة لها حكمة؟ قال: نعم, قلت له: متأكد, قال: نعم متأكد, قلت له: ما هي؟ فأخذ يعدد لي ما هي الحكمة من الجزمة, وأنها تحمي الرجل من أشياء حادة, ومن السوائل الضارة, ومن تقلبات الجو, ومن ما يخترقها من دود ما لو كانت حافياً, قلت له: متأكد, قال: متأكد, فقلت له: وأنت ما الحكمة من خلقك؟! فبهت مرة ثانية! فقلت له: عجيب, والله إني لأعجب من حضارتكم التي تقول لأبنائها أنتم أحقر من نعالكم, فالجزمة لها حكمة, ولابسها فلا حكمة منه!!! وتذكرت قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ ]محمد:12[.
لقد أقام الله عز وجل في هذه الأجهزة للعلم, وخلقنا لنتعلم؛ لأنه يريدنا أن نتعلم قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ ]محمد:19[, وقال الله عز وجل: ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ﴾ ]الرعد:19[, ثم جعل لنا مصادر للعلم نأخذ منها العلم المطلوب, فجعل أول مصدر لنا هذا الكون, كل ما يقع عليه البصر, أدلة كما سنرى إنشاء الله في الحلقات القادمة, قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ ]الجاثية: 3-5[
فالكون كله أدلة, وما عليك إلا أن تتوجه بأدوات العلم إلى هذا المصدر وتأخذ المعلومات ويمتلئ قلبك باليقين قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ ﴾ ]الأنعام: 75[.
هذه البينات التي أيد الله بها رسله تدل على أنها من عند الله فتدل على أنها صدق الرسول, وتدل على أنها لا تكون إلا من عند الله عز وجل, وتكون دليلاً على الإيمان بالله, كما أنها دليل بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام.
هذه البينات عليها آمن الناس عندما عجزوا على أن يأتوا بمثل هذه البينات والمعجزات فالله تعالى يقول: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ ]الحديد:25[.
وجعل الله لكل رسول بينة تناسب قومه فسيدنا موسى بعثه الله في قوم يتقنون السحر فجعل معجزته متناسبة مع قومه حتى أنه عندما جاءهم بالعصا, يرمي بها فتتحول إلى حية تسعى, يضع يده بجيبه فتخرج بيضاء من غير سوء من غير مرض, فظنوا أن هذا سحر, فقالوا لنأتين بسحر مثله ثم اجتمعوا, وبعد ما اجتمعوا ألقى السحرة حبالهم وعصيهم وتحولت إلى حيات, وخاف سيدنا موسى مما رأى واستغرب الناس, وجاءوا بسحر عظيم فأمره الله أن يلقي ما بيمينه فألقى عصاه سيدنا موسى فإذا هي تأكل ما جاء به السحرة, فأعلنوا أن ليس هناك سحر, وعرفوا أن هذه العصا ليست سحراً فهي تأكل ما فعلوا هذا ليس بسحر بل من عند الله, فقالوا آمنا برب العالمين, رب موسى وهارون, وهذه البينة التي لا يقدر عليها إلا الله وكانوا هم أول من آمن.
وجعل الله معجزة سيدنا عيسى بجنس ما اشتهر به قومه وهي الطب, ولكن الطب لا يستطيع مهما تقدم أن يحيي الموتى ولا يستطيع أن يعطي بصر لمن لا بصر له, ولا يستطيع أن يعالج الأبرص فلما جاءهم سيدنا عيسى عليه السلام بهذه البينات وبهذه الحجة الواضحة استيقنوا أن هذا لا يمكن أن يكون إلا من عند الله سبحانه وتعالى.
ومحمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الله إلى الناس جميعاً؛ إلى العرب في الربع الخالي في زمنه, وإلى الناس جميعاً إلى أهل أفريقيا وإلى أهل أوربا وإلى أهل الصين وإلى أهل شمال الأرض وشرقها وإلى جنوبها وغربها, إلى رواد الفضاء, وإلى أهل الحضارة اليوم, إلى الذين يصنعون هذه المخترعات العجيبة, وإلى أهل هذه الحضارة المعاصرة, فأعطاه الله بينة جعلها باقية بين أيدينا؛ إنها هذا القرآن العظيم, قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ ]الأنعام:19[, أي من بلغ إليه هذا القرآن, فحفظه الله تعالى حتى وصل إلينا كما هو من وقت النبي صلى الله عليه وسلم, وسيحفظه الله حتى ما شاء الله, والمعجزة فيه وحجته فيه.
وأكبر معجزة في هذا القرآن هو العلم الذي في هذا القرآن الذي يستطيع قادة الاختراعات والمعامل والبحوث سواء في الصين أو اليابان أو في أميركا أو في غيرها من البلاد, يستطيعون أن يتعرفوا على هذا العلم في كتابه الكريم, وخاصة العلم الذي نسميه بالإعجاز العلمي بالقرآن, وكما يستطيع أهل العلم بمجال علوم النفس, ومجال السياسة والاخلاق والتاريخ إلى ما هنالك من علوم, يستطيع كل هؤلاء أن يعرفوا أن العلم الذي بالقرآن لا يمكن أن يكون إلا من عند الله سبحانه وتعالى إذا كانوا قد وصلوا من العلم درجة يعرفوا بها هذه الحقائق لذلك قال الله تعالى في طبيعة المعجزة في هذا القرآن: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ ] الأنعام: 19[
ثم بين معجزة القرآن فقال عز وجل: ﴿ لَكِنْ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ ]النساء: 166[, أي أنزله وفيه العلم الإلهي في كل آية من آياته, وسنرى كثيراً من هذه الآيات التي ظهرت في عصرنا وتجلت للحلفاء في زمننا, وكيف يذعن لها الباحثون ويخضع لها الدارسون, وجعل الله أدلة أخرى تدل على الخالق جل وعلا فإن الله لم يخلقنا ويرمينا هكذا ويتركنا سداً, فالله خلقنا ويتولى أمرنا ويتولى شأننا.
بعض الفلاسفة قالوا: الله خلق الخلق ثم تخلى عنه؟!!
لا, فالله هو القيوم على كل شيء, الله هو الحي القيوم القائم على كل شيء سبحانه وتعالى, وجعل دليلاً عملياً بين أيدينا كل واحد من الناس يستطيع أن يعرفه, والحمد لله أن الكثير من المؤمنين وإن كانوا من العوام فإنهم يعرفونه من دليل الدعاء والإجابة, فكم من إنسان وقع في حاجة أو وقع في ضيق أو وقع في مرض أو وقع في مصيبة فلجأ لجوءا صادقا إلى الله تعالى فرأى الجواب ورأى الفرج ورأى ما قاله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ ]البقرة:186[.
يعرف المسلمون ذلك بصورة جماعية في صلاة الاستسقاء, ويعرفون ذلك بصورة فردية في ما يدعون الله سبحانه وتعالى؛ حتى الذين يعصون الله اذا لجاءوا إلى الله مضطرين تائبين فإن الله لا يخيب المضطر اللاجئ التائب الذي يصدق في توبته ولجوئه إلى الله سبحانه وتعالى.
فالطريق إلى الفوز هو في أن الله يرعاك, وأن الله يحفظك وأن الله يتولاك, والطريق إليه هو الإيمان والاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى.
وهناك مصدر آخر: بالعلم والعقل, فالعقل الذي جعله الله نوراً يهدي به الناس من داخله يدلهم على الحق, ويدلهم على الصواب, ويدلهم على الخطأ, يدلهم على الباطل, ويميز لهم ما ينفعهم وما يضرهم.
وهناك أدلة عقلية سنستعملها أيضاَ على الايمان بالله جل وعلى من هذه الادلة قول الله جل وعلا قال تعالى: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ﴾ ]الطور: 35-36[, أي خلقتم من لا شيء, فلان وفلان وفلان هكذا خلقتم من العدم؟ أم خلقتم من غير شيء؟ أم هم الخالقون؟ أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون.
وقال الله تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾
]الأنبياء: 22[
فهذا هو المنهج القرآني الذي يعتمد على الأدلة العقلية, ومن الناس من يظن أن الإيمان يصادم العقل, وأنه إذا استعمل العقل فأنه يقول للإيمان غادر فإن هذه الدائرة ليست دائرة عملك, لكن القرآن أكد ذلك وأقام الحجج وأقام الأدلة؛ هذه الأدلة الله سبحانه وتعالى أقامها واحتشدت في هذا الوجود, كما أن هناك أدلة من الفطرة, هذه الأدلة التي تكون في فطرة الإنسان, فإذا وجدت إنسان في أزمة شديدة وفي ضائقة شديدة وجدته ينسى كل شيء ويلجأ إلى الله ويتضرع إلى الله سبحانه وتعالى بإخلاص, قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾ ]الإسراء : 67 [.
هذه الأدلة التي تكفل الله سبحانه وتعالى في إقامتها وفي إظهارها إلى هذه البشرية هي أدلة عظيمة تحاصر الجاحد والكافر من كل جانب من الجوانب فالآيات الدالة على الإيمان بالله تملأ الأرض والسماء والأدلة التي تظهر صدق الرسالة وصدق الرسل مشاهدة بالعيون.
ولكن قد يقول قائل: أنا لا أستطيع أن أرى معجزات الرسل السابقين, لا أستطيع أن أراها؟ فلو جئنا بيهودي ومسلم ونصراني وقلنا لكل واحد منهم: ما هي الأدلة التي عليها آمنت وأصبحت بها مستيقن؟؟
فسيقول اليهودي: العصا واليد البيضاء, وتلك الآيات التي أيد بها سيدنا موسى عليه السلام.
فلو قال له أحد من عصرنا: هل تستطيع أن تريني أيها اليهودي هذه المعجزات الآن؟
فسيقول اليهودي: لا ليس لنا أدلة إلا قصص التاريخ وخبر التاريخ.
ولو سألنا نصراني وقلنا له: وأنت ما هي الأدلة التي عليها آمنت؟
فسيقول: لقد أيد الله سيدنا عيسى عليه السلام بإحياء الموتى وإبراء الأعمى والأبرص ويجعل من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً, سيقول هذا وغيره.
فلو قال له أحد هل تستطيع أن ترينا هذا الآن؟! فسيقول لا.
أما إن قلت للمسلم هل تستطيع أن ترينا معجزة محمد صلى الله عليه وسلم؟
فسيقول لك: نعم, أن أكبر معجزة لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام موجودة الآن بيننا في هذا القرآن العظيم, ففيه المعجزة, وفيه البينة, وفيه الدليل, ويكون شاهده منه فهو الشاهد, وهو المشهود عليه.
وبينة محمد صلى الله عليه وسلم بين أيدينا في هذا القرآن, وسندرس إن شاء الله تعالى هذه المعجزات ونستوضحها ونعرف كيف آمن الناس بالرسول صلى الله عليه وسلم؟, وكيف نؤمن نحن به في عصرنا الحاضر؟, وما هي الأدلة والحجج التي تثبت هذا اليقين؟, ولن يتحقق اليقين إلا بعد أن ينتفي الشك, قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ ﴾ ]الحجرات: 15 [. فالشاهد في هذه الآية (ثم لم يرتابوا) أي أن يذهبوا عن اليقين, وسنتعرض إن شاء الله للشبهات عند الكافرين في عصرنا والتي يروجونها, ونرد عليها بأذن الله جل وعلا حتى يتمكن اليقين, ولا يبقى هناك شك.
والحمد لله رب العالمين وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر موقع جامعة الايمان