الحلقة العاشرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد : تكلمنا عن معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها أنه أخبر بالغيب الذي مضى وكان يخبر بالغيب الذي يقع في عصره ومن الغيب الذي أخبر به في عصره خبر أهل مؤتة الذين كانوا يقاتلون، خرجوا لقتال الروم ـ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب وإن عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفان ثم أخذها خالد بن الوليد إمرة ففتح له)(1) ، وأمرهم أن يضعوا الطعام لأهل هؤلاء الذين استشهدوا وقال عليه الصلاة والسلام اصنعوا لآل جعفر الطعام .
فهو يبني على هذا الخبر مواقف عملية من أنهم يصنعوا لآل جعفر الطعام ـ وتأتي الأخبار مصدقة كما قال عليه الصلاة والسلام ، ومن هذا أنه كان يخبر الناس بما يدور في نفوسهم، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه :
أن الأنصار قال بعضهم لبعض يوم الفتح أن الرسول قد أدركته رغبته في قرابته ورأفته بعشيرته (فنزل الوحي) عندما سالم قريشاً وقال (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن ومن دخل البيت فهو آمن)(2) .
عندما أمن هؤلاء فوقع في نفوس الأنصار أهل المدينة شيء فحدثوا أنفسهم بهذا الحديث فنزل الوحي يكشف للنبي صلى الله عليه وسلم ما قاله الأنصار ، فواجههم الرسول صلى الله عليه وسلم بما قالوا ـ فأقروا فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم المحيا محياكم والممات مماتكم ، كشف له ما في نفوسهم وواجههم به فأقروه ومن يعرف ما في النفوس؟ لا يعرف ذلك إلا الله سبحانه وتعالى ونتكلم اليوم عن خبر من أخبار الغيب :
تألب الناس حوله وتجمعوا وتحزبوا فكان هناك حزبان حزب أهل الإسلام يقودهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ـ وحزب أهل الكفر اجتمعوا وراء أبي بن خلف هذا الخبر هو أن معركة دارت بين الفرس والروم فهزم الروم ففرح أهل الشرك في مكة وقالوا المشركون أمثالنا من الفرس عبدة النيران غلبوا أهل الكتاب أمثالكم فحزن المسلمون فأخبر أبو بكر الصديق رضي الله عنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بذلك ، فأنزل الله هذا الجواب على هؤلاء:
بسم الله الرحمن الرحيم : ﴿ألم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾[الروم:1-4] أخبر أن الروم غلبت في أدنى الأرض ثم أعلن خبراً وقال ﴿ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾[الروم:3] أي بعد هزيمتهم ﴿سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾[الروم: 4] وحدد المدة في بضع سنين والبضع هو ما بين الثلاث إلى العشر ، فإذا وصل إلى أكثر من ذلك ما تقول بضع تقول ثمانون ، ولما سمع أبي ابن خلف بذلك وكان أبو بكر ينادي بالأسواق بهذا ويتكلم عن هذا فقال : (تراهن (هل تراهن يا أبا بكر) ، فوقع في هذا . وبعد الرهان احتشد أهل الإسلام وراء أبي بكر واحتشد أهل الكفر وأخذ الناس ينتظرون ماذا سيكون من هذا الخبر وما مرت سبع سنوات إلا وتحقق وعد الله سبحانه وتعالى ، وتحقق وعد الله ، والله قد أكد ذلك وبينه فقال :
﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾[الروم:3-6].
بعد هذا أسلم عدد كبير من الناس ودخلوا في دين الله وقالوا محمد ، عاقل لا يمكن أن يغامر بنبوته ويراهن بها على دولة خرجت من المعركة مهزومة ويحدد مدة قريبة يشهدها هو في حياته، وهي بضع سنين أقل من عشر سنوات ثم يعقب هذا التعقيب ﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِلا يَعْلَمُونَ ﴾[الروم:6].
جاء الفرس من جهة العراق واتجهوا فوجدوا أمامهم البحر الميت ونهر الأردن ووصلوا إلى أغوار نهر الأردن ووصلوا إلى أغوار نهر الأردن وهي أخفض منطقة في العالم .
كنت أتحدث مع البروفيسور الأمريكي رئيس الجمعية الجيولوجية الأمريكية (السون بالمر) رئيس الجمعية سابقاً السن بالمر فقلت له يا بروفيسور القرآن يخبرنا بأن هذه هي أخفض منطقة في العالم لأن الله يقول : ﴿ألم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ﴾[الروم:1-2].
ففي الأرض مرتفعات ومنخفضات وهذه أدناها . فرد عليّ وقال لا هناك منخفضات أكثر فوقع النقاش بيني وبينه فلما رأى موقفي المتشدد راح وجاء بـ نموذج مجسم للأرض فيه جميع المرتفعات والمنخفضات في العالم وقال "أين المنطقة التي تتحدث عنها فقلت له بيت المقدس قال يعني أيش – قلت له يعني أورشليم فوضع يده ووجهها إلى المنطقة فما أن وضع يده على هذه المنطقة حتى رأى سهماً خرج من تلك المنطقة مكتوب عليه اخفض منطقة في العالم. فسبحان الله تتجدد المعجزة وتتجلى .
وهناك أخبار غيبية كثيرة ومن هذه الأخبار الغيبية أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدث المسلمين وهم في المدينة بأنهم سيطوفون بالبيت الحرام محلقين رؤوسهم ومقصرين. ثم توجه معتمراً إلى مكة وهو في حالة حرب مع كفار قريش فقريش لما سمعت بذلك احتشدت وجهزت نفسها – استعدت للقتال فتدخل بعض الناس بينهم بالمصالحة وفي النهاية تمت هذه المصالحة على أن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم من عامة ذلك ثم يأتي العام التالي فتأثر المسلمون الذين جاؤوا محرمين وكانوا يظنون أنهم سيدخلون في ذلك العام تحقيقاً لوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أن عمر رضي الله عنه، حاور الرسول صلى الله عليه وسلم وحاور أبا بكر الصديق فقال لرسول الله : أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به، قال الرسول صلى الله عليه وسلم بلى : أفأخبرتك أنك تأتي عامك هذا قال عمر : لا . قال النبي صلى الله عليه وسلم فإنك آتيه ومطوف به ونزل القرآن بعد هذه الحادثة وهي حادثة صلح الحديبية ، فأنزل الله سورة الفتح وجاء فيها ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ﴾[الفتح:27]. يعني رؤيا الرسول حق والله يصدق تلك الرؤيا ﴿ )لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً﴾[الفتح:27] فكان صلح الحديبية هو الفتح قبل الطواف ونزلت سورة الفتح التي أخبرت أن صلح الحديبية فتح وحقاً كان أكبر فتح، لأنه في خلال عامين بعد صلح الحديبية تضاعف عدد المسلمين جاء الرسول صلى الله عليه وسلم لصلح الحديبية، ومعه ألف وأربعمائة وبعد عامين توجه لفتح مكة بعد أن خانت قريش هذا العهد وغدرت ومعه عشرة آلاف فكان فتحاً عظيماً.
ووعد الله سبحانه رسوله بمغانم في سورة الفتح فقال تعالى : ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ﴾[الفتح:20] وأخبرهم في نفس السورة بأنهم عندما يتوجهون للمغانم (وكانت تلك المغانم التي أخبرهم بها الله سبحانه وتعالى في الآية هي ما وقع لهم في خيبر) فأخبرهم بقول المخلفين لهم عند انطلاقهم لأخذ المغانم، قال تعالى : ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً﴾[الفتح :15].
ومن خلال أشهر فتح المسلمون خيبر ومنع الرسول صلى الله عليه وسلم من لم يحضر صلح الحديبية أن يحضر خيبر، فهذه المغانم التي وعد الله من كانوا قد حضروا معه في صلح الحديبية، وقد جعل الله ذلك آية للمؤمنين قال :
﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً﴾[الفتح:24] يعني الله سبحانه وتعالى هو الذي رتب ذلك فكف أيديكم أيها المسلمون عن أن تقتلوا هؤلاء الكافرين وكف أيديهم من جهة أخرى وكان هذا الصلح الذي كان بعد ذلك سبباً لفتح مكة – وكافأكم الله بمغانم فقال تعالى :
﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ﴾ أي صلح الحديبية الذي كان سبباً لفتح مكة ﴿ فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً﴾[الفتح:20] .
وكانت هذه هي فتح خيبر والآية أن الله صدق رؤيا رسوله صلى الله عليه وسلم ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ﴾[الفتح:27] فدخل الصحابة رضوان الله عليهم في العام التالي ودخل عمر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف مع سائر المسلمين وكانوا محلقين ومقصرين كما بينت الآية وكما وعدت بذلك خبر غيبي أحدث رجة في نفوس المسلمين تساءل عمر أما كنت تقول لنا قال: وهل قلت لك من عامك هذا؟ فيمر الوقت ويتحقق الوعد كما أخبر به الله سبحانه وتعالى في كتابه فلقد سُجل ذلك في كتاب الله والتسجيل في كتاب الله ليس كالتسجيل في أي كتب من كتب التاريخ إن الجميع يسمع ما سجل القرآن ويتلو ما سجل القرآن ولو كانوا قد وجدوا شيئاً مما سجله القرآن لم يقع لكان سبباً لتكذيب الكافرين ولردة المسلمين والعياذ بالله.
وهناك خبر آخر من أخبار الغيب، أخبر الله رسوله أن الله سيعصمه من الناس، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمشي ومعه حراسة كان هناك من يحرسه لأن المتآمرين عليه كثر من أهل الكتاب ومن المشركين ومن المنافقين، والخلفاء الثلاثة بعده وبعد انتصار الإسلام سيدنا عمر سيدنا عثمان سيدنا علي ثلاثة خلفاء في أوج قوة الأمة الإسلامية يقتلون فيموتون غيلة ، فكيف بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو في مراحل إقامة هذه الدولة ومواجهة كل هذه القوى ، يأتي خبر من الله ويقول يا محمد الله يعصمك كما قال الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾[المائدة:67] أي لا تخشى قد عصمتك منهم، خبر ثمنه الحياة، بعد أن نزلت هذه الآية، تقول عائشة رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾[المائدة:67] .
فأخرج رأسه من القبة فقال (أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله انصرفوا لا أحتاج إليكم قد عصمني الله)(3) ، يقدم حياته ثمناً لتصديقه لوعد الله سبحانه وتعالى، وكم تآمر عليه الكفار وكم تآمر عليه المنافقون وكم تآمر عليه اليهود بعد ذلك. ولكن الله كشفهم جميعاً وعصمه منهم جميعاً فتحقق وعد الله جل وعلا وكما أخبر الله سبحانه وتعالى بهذه الغيوب وتحقق منها ما تحقق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهناك ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ومما يكون بعده إلى قيام الساعة ولهذه كتب خاصة أفراد لها العلماء الكثير من الكتب المتخصصة وفي كتب الحديث أبواب مستقلة تتحدث عن هذا الأمر، وخلاصة هذه الأخبار أنك تجد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وفي أحاديث النبي ما يصف بها ما سيكون من الفتوح، ستفتحون أرض كسرى أرض مصر أرض قيصر وسيكون وسيكون وسيكون.. ثم يقول وبعد ذلك ستضعفون (وسيعود الدين غريباً كما بدأ غريباً)(4) فيذكر وهو في مراحل الضعف أن الإسلام، سينتصر وسيعزو العالم وسينتشر في الأرض كلها ثم يعود غريباً بعد ذلك ويضعف المسلمون مرة ثانية وهانحن في هذه الأحوال التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم ومما أخبر به القرآن عن أحوال المسلمين وما يكون من أمرهم هذه الآية: قال تعالى : ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾[الأنعام:65] لما نزلت هذه الآية خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاف المسلمون لأنها تهديد ووعيد فلما قال تعالى ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ﴾[الأنعام:65] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوذ بوجهك استعاذ بوجه الله من هذا العذاب الذي يكون في الناس – أعوذ بوجهك – ثم قرأ أو من تحت أرجلكم قال أعوذ بوجهك، واستعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم من العذاب الذي يكون من أعلى ومن تحت أجلنا فلما قرأ عليه جبريل
﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾[الأنعام:65] قال صلى الله عليه وسلم (هذا أهون أو أيسر)(5) .
يستحيل أن يصيب الأمة هذا العذاب من فوق ومن أسفل من تحت أقدامنا ما دمنا مستقيمين فهم مع هذه التعويذة النبوية التي استعاذ بها الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن بعد أن يستبيح المسلمون يستبيحون دماء بعضهم وبعد أن يتجرأ على حدود الله سبحانه وتعالى بعد هذا كله لابد أن يقع هذا ولذلك روى أحمد والترمذي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال : لما نزلت هذه الآية خاف الصحابة رضوان الله عليهم، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بعد أن استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم فسألوه يا رسول الله أو ذلك كائن أخبرهم بأنها كائنة ولكن على قوم آخرين على الذين يعصون الله على الذين ينحرفون ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (أما إنها كائنة لم يأت تأويلها بعد )(6)– يعني وقوعها وتحققها ما جاء بعد وإنما سوف تكون في المستقبل- وقد احتار كثير من الناس أو من المفسرين ما هو هذا العذاب الذي يكون من أعلى والعذاب الذي يكون من أسفل تحت الأرجل فقال بعضهم الزلازل التي تكون من تحت الأرجل وذكروا ما قد يكون من أنواع العذاب من أعلى.
وبعضهم فساد الرعية وفساد العامة ، هو العذاب من أسفل (السوقان) وفساد العظماء والرؤساء هذا هو العذاب من أعلى .
لكن الآية تتكلم عن عذاب يأتي من أعلى مباشر وكم قد رأينا الآن ما يأتي من العذاب من فوق الرؤوس وما تتفجر به الألغام من تحت الأقدام، خبر يعلنه القرآن ونرى كثيراً من تفاصيله وصوره ، أما السنة النبوية فهي مملوءة بالإخبار بالغيب، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بما هو كائن من زمنه إلى أن تقوم الساعة وبعد أن تقوم الساعة أخبر إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. وهناك أحاديث كثيرة ومنها ما جاء في حديث جبريل عندما سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
أخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ثم قال له فأخبرني عن أماراتها بعلامات ، قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة الحفاة العراة – العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان)(7) وهذا كان حالنا في أوائل هذا القرآن، أوائل القرآن والأمة العربية والإسلامية في حالة من الفقر شديد حفاة عراة عالة معظم الناس هو هذا فلما جاء آخر هذا القرن إلا وقد فجر الله هذه الثروات فرأيت من كان بالأمس حافي عاري عالة لا يجد طعاماً أصبح يبني البيوت المتطاولة سبحان ربي سبحان ربي ، هل يستطيع الحافي الذي لا يملك الحذاء العاري الذي لا يملك الثوب العالة الذي لا يملك الرزق أن يبني بيتاً طويلاً فضلاً عن أن يطاول زملائه وأصحابه ، فهذا يقول أنا بنيت بيتاً أطول وهذا يقول لا . أنا بيتي أطول من بيتك ، هذا شيء غريب لا يمكن للناس أن يتخيلوه لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر الناس بهذا وأنه سيأتي زمان وهذه من علامات الساعة أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنان شيء ما كان يفهم من قبل حتى رأينا هذا القرآن ومما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤسهن كأسنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )(
.
الصنف الأول : قوم بيدهم سياط كأذناب البقر ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (قوم بيدهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، قال العلماء الذين شرحوا هذا الحديث قالوا هي الشرط كأذناب البقر يضرون بها الناس ، قال العلماء الذين شرحوا هذا الحديث قالوا هي الشرط في آخر الزمان تضرب الناس يعني بغير حق .
ثم قال الصنف الثاني : ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، هذا الصنف قال عنه كاسية عارية ، كيف تكون الكاسية عارية؟ الكاسية لا تكومن عارية لكن رأينا في عصرنا هذا في كثير من بلدان المسلمين كاسيات لهن الملابس الكثيرة ولكنها عارية لأنها إما أن تكون ملابس شفافة أو ملابس ضيقة أو ملابس قصيرة أو تراها كاسية في البيوت عارية في شواطئ البحار وفي المراقص كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، أما التفنن في الإمالة والتمايل أصبح فناً عند أصحاب الموضات وخاصة في صانعي الكعب العالي وقال: روؤسهن كأسنمة البخت المائلة رأسها مثل سنام الجمل المائل ، الجمل المائل السنام يميل هكذا (يميناً) أو يميل هكذا (شمالاً) أو يميل إلى الخلف. وعندما رأينا الباروكة الآن وهي كسنام الجمل المائل ، فكأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم من أن المسيح عليه السلام سيأتي بل أخبرنا به القرآن فقال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾[الزخرف:61] أي عيسى عليه السلام – وأنه لعلم للساعة وفي قراءة وإنه لعلَم للساعة ، فعودة سيدنا عيسى هو علم من أعلام الساعة والثلاثة الأديان اليوم كلها تنتظر مجيء المسيح عليه السلام اليهود على أحر من الجمر يقولون نحن نريد نقيم دولة إسرائيل الكبرى من أجل أن يأتي المسيح وبعض النصارى يقول نساعد اليهود – لإقامة دولة إسرائيل الكبرى من أجل أن يأتي المسيح وعنده أرض كبيرة واسعة ويجد النصارى ذلك موجود في كتبهم أنه سوف يعود عليه السلام ونحن نعلم أنه سيعود – ولكن الخلاف بين هذه الآيات إلى من يعود .
فاليهود يقولون: هو يهودي هو من بني إسرائيل فسيعود إلينا، والمسلمون يقولون من آمنا به وصدقناه وسيعود إلينا ، ولن يعود إلى الذين كذبوا من عند مجيئه الأول وهذا من خبر الغيب الذي ينتظرنا والعالم ينتظره، وستحقق الأخبار التي أخبر بها القرآن وأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم وإن رسولنا صلى الله عليه وسلم أخبرنا بما يكون بعد مجيء المسيح عليه السلام إلى أن تقوم الساعة وإلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، أفليست هذه معجزة متجددة باقية، من معجزات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي الإخبار بالغيب فيأتي الواقع شاهداً ومصدقاً لخبر النبي صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين .
وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.