بسم الله الرحمن الرحيم
براهين الإيمان
خوارق العادات
الحمد لله وأصلي وأسلم على رسول الله, وبعد:
كنا نتكلم عن الجنة، والمعجزات، والبينات التي أيد الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بها. وتكلمانا في الحلقات السابقة عن فصاحة القرآن التي أعجزت العرب، وتتحدى الإنس والجن أن يأتوا بسورة بمثل هذا القرآن، وتحدثنا عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وقدمنا بعض الشواهد عنه، ونتكلم اليوم عن شيء آخر أيد الله به رسوله، وكان من أهم أسباب إسلام الصحابة رضوان الله عليهم الذين شاهدوا تلك البينات، والمعجزات، وهو ما نسميه خوارق العادات:
ماذا يعني ذلك؟!
يعني أننا نعتاد أن لكل شيء أسبابا، وسننا، وهذه الأشياء تسير على وفق تلك السنن، والأسباب؛ ولكن لإقامة حجة، وإظهار معجزة لرسول يخرق الله تلك العادات، فالنار التي جعلها الله تحرق قال الله لها: ﴿ قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ ]الأنبياء:69]، فمع أن النار تحرق لكنها بالنسبة لسيدنا إبراهيم لم تحرقه، فتكون معجزة.
وهكذا العصا, الأصل أنها قطعة من جماد، لكن جعلها الله تعالى على يد سيدنا موسى حية تسعى.
وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أيده الله بخوارق كثيرة، ومعجزات عظيمة، ولكن قد يقول قائل هذه الخوارق تلزم من كان مشاهد لها ورأها، فنحن الآن بيننا وبينها أمداً طويلاً، فكيف نطمئن إلى أنها قد وقعت، مع أنها قد وقعت قبل 1400عام؟!.
نقول هناك فارق بين مايذكره الناس في التاريخ، وبين ما يسجل في هذا القرآن عن الذي حدث على يد النبي صلى الله عليه وسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، إن هذا القرآن هو أعظم سجل للحوادث التي جرت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلك الخوارق التي وقعت له، والمعجزات التي حدثت له، وقد يقول قائل هذا يلزم المؤمنين فقط.
أقول: لا، بل هو يلزم الكافرين، إذا استعملوا عقولهم.
انشقاق القمر:
وقد جرت بيني، وبين أحد المستشرقين من الروس، وتناقشنا حول هذه القضية، فقال لي: كيف تثبت لي أن هذه الخوارق قد وقعت؟
وكانت المناقشة حول انشقاق القمر للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه قال لي: انشق القمر نصفين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن قريشاً كانت تطالب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فالله تعالى شق له القمر نصفين، ورأى الناس القمر، وهو منشق نصفين، وكفار قريش عجبوا من ذلك الذي يرونه من تلك الآيات، فقالوا: ساحر، ثم قالوا إذا كان قد سحرنا نحن، فإنه لا يستطيع أن يسحر المسافرين، فقالوا: ننتظر حتى يأتي المسافرون.
وعندما جاء المسافرون من كل اتجاه. سألتهم قريش أرأيتم انشقاق القمر؟
قالوا: نعم. رأينا انشقاق القمر.
فقالت قريش: لقد جاء بسحر عظيم !! .
وليس الجميع كذبوا، بل هناك من أثر بهم، وكان هذا سبباً في إسلامهم.
فقال لي هذا المستشرق: أنا لم أشاهد القمر قد انشق نصفين، ولو رأيته لعلمت أن محمداً رسول الله.
فقلت له: أستخدم عقلك، وسأجعلك كأنك كنت موجوداً في ذلك الوقت لتشاهد الآية، والمعجزة.
قال: وكيف ذلك؟
فقلت له: لقد وقع انشقاق القمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان هناك فريقان متصارعان، متنافسان، متعاديان، متباغضان، كل منهم يكيد للآخر، منهم الذين يريدون لهؤلاء الكفار أن يهتدوا، ويدلوهم على طريق الخير، والكفار يريدون الفتك بهم، والقضاء عليهم، وتكذيبهم.
فالآن وقعت حادثة انشقاق القمر وقد كانت قريش تحرص على أن تجد شيء بسيط تكذب به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد وقوع الحادثة نزل القرآن يقرأ عليهم ما حدث بالفعل، ويسجل مواقفهم من الحادثة، قال تعالى: ﴿اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ﴾ ]القمر: 1-3].
فسجل عليهم القرآن أنهم قالوا سحر، وأنهم اتبعوا أهواءهم، بعد أن رأوا، وشاهدوا هذه المعجزة.
فلو أن القرآن سجل شيئا لم يقع مثلاً: أن القمر انشق وهو لم ينشق، لكانت الفرصة الذهبية لكفار قريش، ليقولوا: محمد يزعم أن القمر قد انشق، وأننا رأيناه، وأننا قلنا: هذا سحر، ولم يقع شيء من هذا، ولا رأيناه، ولا قلنا سحر, فهذا محمد يكذب علينا، وتكون فرصة ذهبية لتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما المسلمون كانوا سيمتحنوا امتحاناً كبيراً بهذا، بل كان منهم من يرتد عن الإسلام سيقولون: كيف يكذب علينا، ويقول وقع الانشقاق، وهو لم يقع!! ويدعي على الكفار أنهم قالوا، وهم ما قالوا!! فسيكون ذلك سبباً في كفرهم، وترك دينهم.
لكن ما الذي حدث؟
الذي حدث أن المسلمين ثبتوا على إسلامهم، واستمروا على إيمانهم وازدادوا أيماناً، وتحول كثيراً من الكفار من الكفر إلى الإسلام، وأصبحوا بعد ذلك من جند الإسلام، إذ ثبت المؤمنين على إيمانهم، وهو بمثابة التوقيع منهم على أن الذي أخبر به القرآن عن انشقاق القمر، وسجلهم عليهم، من قولهم سحر مستمر أنه حقيقةً وقعت، وهم مصدقون بها، لأنهم تحولوا من كفرهم، إلى الإسلام، وآمنوا، وأسلموا.
قلت لهذا المستشرق: هذا الكلام.
قال: هذا صحيح.
تدوين المصحف:
فقال: لكن ما الذي يطمئنني أن هذا القرآن الذي أنتم تقرؤونه هو نفس القرآن الذي سجل تلك الحادثة، وسمعها الفريقان في ذلك الوقت، ربما حدث تغيير؟
قلت له: اسمع إن هذا المصحف قد أخذناه في التواتر، فأجمع الصحابة رضوان الله عليهم عليه، وأجمع الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، واتفقوا، وقالوا: نشهد أن هذا هو القرآن الذي جاءنا به محمد صلى الله عليه وسلم بإجماع .
وكان يُحفظ، وكان يُكتب، وكان هناك كتّاب للوحي عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان هناك نسخةً كاملةً منه في بيت النبي صلى الله عليه وسلم - عند زوجته حفصة رضي الله عنها, وهو الذي جمع في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه-، وكان الصحابة يكتبونه، ويقرؤونه، ويصلون به، ويتلونه كل يوم، لأن في قراءة الحرف الواحد عشر حسنات، كما دل على ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان منهم الحفاظ، إلى جانب تلك الكتابة، وإلى جانب أنه يقرأ في كل يوم وليلة أجمعوا رضي الله عنهم وقالوا: إن هذا هو المصحف الذي تلقيناه من الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي زمن سيدنا عثمان خاف سيدنا عثمان، وخاف المسلمون على أن يطرأ على القرآن أي تغير، فنسخوا منه نسخ، ووزعوها على الشعوب التي دخلت الإسلام، وهي لا تعرف اللغة العربية، لأنه قد بدأ شيء من القراءة غير الصحيحة، فوزعت هذه المصاحف، فالذي أجمع عليه الناس والصحابة، وسلمت له الأمم المختلفة من فرس، وروم، وصين، وأفارقة، وبعد ذلك الأوربيين، ومن غيرهم من الأمم، وهم من لغات كثيرة، مئات اللغات، فتلقت هذه الشعوب هذا المصحف، من في الشرق، ومن في الغرب، ومن في الشمال، ومن في الجنوب، كلهم تلقوا هذا المصحف من الذين أوصلوه إليهم من الصحابة، وعلّموه لأبنائهم، وحافظوا على رسمه، فالقرآن يتلقى بالرسم العثماني، وبالنطق العربي كما كان ينطقه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وعندما تلتقي أنت مع مجموعة من أبناء المسلمين من هذه الشعوب غير الناطقة بالعربية فتقول لهم: اقرؤوا القرآن!
فيقرؤه الهندي باللغة العربية! وبالخط العثماني! وكذلك التركي، وكذلك الفارسي، وكذلك الروسي، وكذلك من في أفريقيا، وكل المسلمين.
فلو قلت لهم: هل تعرفون الكتابة العربية؟
قالوا:نعم.
هل تعرفون معنى ما تقرؤون؟
فبعضهم يقول: لا.
ولكن هكذا حفظوا من آبائهم، وأجدادهم، وأسلافهم، كما سلموا المصحف إلى أحفادهم، وإلى أحفاد أحفادهم، كما تلقوه من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم.
وإنك لو جئت بالمصحف من أي بقعة من ديار المسلمين، تجده مصحفاً واحداً، وكتاباً واحداً، يُقرأ عند الجميع، وهو الذي يذاع من الإذاعات، ومن التلفزيونات، وهو الموجود في مكتبة الكونغرس في أمريكا، وهو الموجود في مكتبة الكونغرس في موسكو، وهو الذي تذيعه الإذاعات في كل بيوت المسلمين.
إذن، إجماع الذين عاشوا مع محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا نشهد أن هذا هو المصحف،
ثم إجماع الأمم التي احتك بها الصحابة رضوان الله عليهم، قالوا: نحن أيضا نشهد أن هذا هو المصحف الذي جاءنا به الصحابة، فهل بقي بعد ذلك شك؟.
قال: لا .
والقرآن ذكر في حينه، وسمعه الكافرون في وقته، وسمعها المسلمين في حينه، فما كذب واحد منهم، بل زاد المسلمين يقيناً، وتحول الكفار إلى الإسلام، وحفظ هذا الكتاب، وأجمع العرب عليه، ثم أجمع بعد ذلك بقية الأمم على أن هذا هو المصحف فلا شك أن انشقاق القمر قد وقع.
أقول: المفسرون وهم يشرحون هذه الآية كما ورد ذلك عن ابن كثير والشوكاني قالوا بعد ذكر الآية ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة، وهي في أعلى درجات الثبوت فثبتت في كتاب الله وثبتت في الأحاديث.
كيف ثبتت في الأحاديث؟
الذين شاهدوا ذلك، ورووه، كل واحد منهم كان يقول: رأيت انشقاق القمر فلقة هنا، وفلقة هنا، ومنهم من يقول رأيت الجبل بين الفلقتين، ومنهم من يقول رأيت جزء قبل الجبل، والآخر يغيب وراء الجبل.
كيف ذلك؟
وذلك بسبب زوايا الرؤية، هذا يراه من زاوية، وهذا يراه من زاوية.
لكن بعد أن استشهد الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحادثة، وقال للناس: اشهدوا.
وها نحن الآن نرى هذه المعجزة تتجدد مرة ثانية في العصر الحديث.
اخبرني الدكتور زغلول نجار أنه كان يحاضر في بريطانيا بجمع من الناس عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
فسأله أحد الحاضرين، فقال له: القرآن تكلم كثيراً عن الإعجاز العلمي، لكن القرآن ذكر أن القمر قد أنشق نصفين، والآن وصل الناس إلى القمر، ووصل رواد الفضاء إلى القمر، وساروا عليه، وأخذوا صخوراً من القمر.
فهل شاهدوا أثر ذلك الانشقاق؟.
فقال الدكتور: أنا لا أعلم، لم أعرف شيئاً من ذلك، ولم أقرأ عن ذلك إلا ما ذكره القرآن، وما ذكره الصحابة في كتب الحديث.
قال: وكان من بين الحاضرين شخص، ورفع يده, أتدرون من هو الشيخ إنه ( ديفيد موسى بيدكوك).
يقول هذا: كنت واحداً من مجموعة نتحاور مع ثلاثة من كبار علماء امريكا، من وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وقلنا لهم الناس يموتون جوعاً، وأنتم تنفقون مليارات من أجل أن تصلوا إلى القمر، ثم تعودوا لنا بصخور.
ما قيمة هذه الصخور؟
فقالوا: لا، نحن ما خرجنا إلى القمر من أجل ما أعلن إنما كان لنا هدف من ذلك. وهو أنه حيرتنا ظاهرة بالقمر، وقد رأينا القمر مشقوق نصفين، وعندما انشق القمر، وعاد لم يلتئم كما كان مائة في المائة بالضبط، بل حدث شيء بالزحزحة.
هذه الزحزحة التي حدثت، وتكوين حزام من الصخور المتحولة، هذه الصخور المتحولة لا تتكون إلا تحت الضغط الشديد جداً، الحرارة العالية، وعندما عاد القمر وحدث هذا الضغط الشديد، والحرارة العالية، ألتحم القمر، وتمكنوا من معرفة علم الخزان للقياسات التي أجروها على سطح القمر، وتأكدوا أن القمر قد انشق نصفين، ثم التحم، ثم قال ( ديفيد موسى بيدكوك) هذا: لما علمت ذلك علمت أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأكدت من صدق ما أخبرني به هؤلاء المسلمين، وكان محاضراً قبل شهر في جامعة شيفل في بريطانيا، ويذكر قصة إسلامه هناك في بريطانيا، بسبب هذه الحادثة، وهذا ( ديفيد موسى بيدكوك) أسس حزب سياسي كبير هو الحزب الاسلامي البريطاني، وهو رئيس هذا الحزب.
هذه الخارقة - انشقاق القمر نصفين- أبقى الله لها أثراً، فهو يعلم أنه سيأتي وقت يتمكن الإنسان أن يصل إلى القمر، وها هم يرون الآن هذه المعجزة، وآثارها، ويشهدون بها، وتكون أثر في إسلام هذا الزعيم البريطاني الذي تحول إلى الإسلام وأسس حزباً إسلامياً هناك.
من الذي يستطيع أن يشق القمر نصفين ؟! لا يستطيع ذلك إلا الله جل وعلا.
هذا من خوارق العادات، فالعادة أن القمر جسم متكامل، لكن إذا انشق نصفين استجابة لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم، ليظهر الله آيةً لهؤلاء الكفار، فإن ذلك يكون دليلاً على أن محمداً صادقاً، وعلى أنه مؤيد من ربه، أيده بهذه المعجزة الباهرة، وليس هذا فقط الذي أيد الله به رسوله، بل هذا الباب واسع جداً، جمع منه العلماء مئات المعجزات، ومنهم وصل إلى الآلاف، لكثرة هذه الخوراق التي يخرق بها الله جل وعلا السنن المعتادة لتصديق النبي صلى الله عليه وسلم، أو لحاجة المسلمين لخرق تلك العادة، أو لإظهار حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
حادثت الفيل:
هناك حادثة قبل أن يبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم في حين ولادته، حادثة مشهورة في تاريخ العرب، يتكلم عنها التاريخ هي حادثة الفيل كان أبرهة الأشرم قد بنى كعبة عالية في صنعاء، في منطقة القليس- ويقولون ما تزال منطقة القليس في صنعاء- أراد أن تكون منافسةً للكعبة ليحج الناس إليها، فزينها، وزخرفها، وجمّلها. وتروي الروايات التاريخية أن العرب تأذوا من هذا، وغضبوا من هذه المنافسة التي أحدثها، فأحدثوا في هذه الكنيسة التي أقامها حدثاً من إفسادٍ لها، وتلطيخٍ لها بالقاذورات، فلما علم، أقسم أن يهدم الكعبة، انتقاما ً لكنيسته، وتوجه بجيشٍ عظيم و اعترضته بعض قبائل العرب لكنه انتصر عليهم ، وأخذ بعضهم ليشهدوا بأعينهم هدم هذه الكعبة، ووصل إلى مكة، وفي وادي محسرٍ وقف الفيل، وكانوا إذا وجهوه إلى البيت الحرام لا يتوجه، ويضربوه ضرباً شديداً ولا يتحرك، وإذا وجهوه إلى أي وجهة أخرى توجه، وأخذ يجري.
وأراد أبرهة أن يقابل بعض قيادات قريش، فقابل عبد المطلب الذي طلب أن يراه، فلما جاء اليه عبد المطلب قال له: لقد أخذت إبلي وأنا أريد أن تردها.
قال: كنت أظن أنك ستحدثني عن هذه الكعبة التي سأهدمها، وإنك تطلب مني إبلك؟
فقال له: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت رب سيمنعك - سبحان الله - قريش تعبد الأصنام، وأبرهة من أهل الكتاب- وهو أرقى دينياً من عبَّاد الأوثان- ، ولكن الله انتقم لهذا البيت من الذي أراد أن يهدمها؛ أبرهة وجيشه، فأرسل عليهم طيراً أبابيل، طيراً من أفواج، ترميهم بحجارة من سجيل، حجارة من طين شديد, فجعلهم كعصف مأكول أي كالزرع إذا أكلته الماشية، وهذه الحادثة يذكرها القرآن، ويحدث الحاضرين بها قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ ]الفيل: 1-5 [.
والذين شهدوا هذه الحادثة أعمارهم في الخمسين، وفي الستين، وفي الخمس والخمسين، وهم رجال ،وبعضهم كانوا شباباً، رأوا ذلك وما كذبوا الوحي، وما قالوا أن محمداً يقول في القرآن حادثة ما وقعت، ويكذب، ويقولون بل سمعوه، وعلموا أن ذلك حق.
فتسجيل الحوادث في القرآن، وسماع الكفار بتلك الأخبار ، وعدم تكذيبهم لها مع حرصهم الشديد على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، ورد كلامه، والغمز في أي شيء يقوله، وصلى الله عليه وسلم هو شاهد قاطع بأنه حدث، ووقع، وأن الكفار لم يجدوا إلا أن يصمتوا، لأن هذه حقائق, وعرفنا بعد ذلك أنه كان من التهيئة بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم، وبمقدم الرسالة الجديدة التي سيصبح هذا البيت كعبتها، وقبلتها، وهذه آية من آيات الله وهي حمايته للبيت من أيدي هذا الجيش.
الحماية الإلهية لرسوله في الهجرة:
لقد حفظ الله الرسول صلى الله عليه وسلم طوال حياته، ولطف به، ونصره على أعدائه، كما حدث في مكة، بعد أن ضاقت قريش ذرعاً بمحمد صلى الله عليه وسلم، اضطهدت أتباعه، وأنصاره، فهاجروا إلى الحبشة مرتين، ثم هاجروا إلى المدينة، ثم ازدادت غيظاً, وبدأت تخاف من القوى السياسية التي بدأت تنشأ في المدينة، فتآمرت عليه، وقررت أن تقوم بقتله.
فقرر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يهاجر، بعد الإذن له من الله عز وجل، فخرج من بينهم، ورسم خطة معاكسة لما كانوا يظنون، واتجه إلى جهة اليمن، ثم اتجه إلى غرب الشمال، وأخذ يغير طريقه صلى الله عليه وسلم، بعد أن اختفى ثلاثة أيام في الغار، حتى قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لو رأى أحد موضع قدمه لرآنا، وكان خائفاً على الرسول صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله السكينة عليه، وأيده بجنود لم يرها الناس، وسجّل الله سبحانه وتعالى ذلك بالقرآن، وقال للمسلمين: إذا لم تنصروا محمداً، فقد نصرته، وهو وحيد، والناس يطاردونه، وقريش كلها تتأمر عليه، فنصرته، ورددت كيدهم، ومكرهم كما قال تعالى: ﴿ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ ]التوبة:40], قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: ما ظنك بأثنين الله ثالثهما.
انظروا إلى هذا الاطمئنان .هذا هو التأييد, هذا من خوارق العادات, أن تحيط هذه القبيلة وتلاحق الرسول وتصل إلى باب الغار ولا تراه، وهو في داخل الغار فيلحق به ذلك الفارس سراقة ابن مالك فتسيخ قدم فرسه، ثم يعود إلى ذلك وهو يطلب الأمان من الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه وقع في نفسه أنه في حفظ الله قال تعالى: ﴿ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ﴾]التوبة:40].
هذا هو نصر الله لعبده، ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، يخرق له العادات، وينصره على أعدائه، وقد اجتمعوا عليه من كل حدب وصوب، ويهيئ الله له التمكين لدعوته، ورسالته، فهذه من أدلة رسالته، ومن براهين هذه الرسالة، ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم
المصدر جامعة الايمان.