براهين الإيمان
الحلقة (7)
تابع لموضوع الخوارق:
غزوة بدر الكبرى
الحمد لله وأصلي وأسلم على رسول الله, وبعد:
ما الذي جعل الناس تتحول من الكفر إلى الإسلام ؟
ما الذي جعل المسلمون يثبتون على هذا الدين ؟
إنها المعجزات، إنها البينات، إنها البراهين، إنها خرق العادات، إكراماً لمحمد صلى الله عليه وسلم، وللمسلمين، ومناصرة لهم.
والذي سنتكلم عنه في هذه الحلقة، عن ما جرى للمسلمين في غزوة بدر الكبرى التي كانت فاصل بين الحق والباطل، وكانت أول معركة بين الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين أعدائه الذين حاربوه، وأخرجوه، وآذوه، وكان عدد المسلمين قليلاً ، وكان عدد الكفار فيها كبير، وكثير، وفيهم الفرسان، مائة فارس، والفارس بعشرة، ولكن كان النصر المؤزر في خلال ساعات قليلة للمؤمنين، تحقق نصر الله بما أيد رسوله بالمعجزات، ولكن نجد من يسأل، ويقول من الذي يؤكد لي ذلك إن هذه المعجزات قد وقعت؟
فنقول له كما ذكرنا في الحلقة السابقة, إن تسجيل القرآن لهذه الحوادث، وسماع الكافرين، والمؤمنين، لما وقع، وهم شهود، وحضور، وثبات المؤمنين على إيمانهم، وتحول الكفار إلى الإسلام، بمثابة التوقيع منهم على أن ما جاء به القرآن هو الحق، ثم حفظ الله لنا القرآن إلى يومنا هذا.
وسنتكلم في هذه الحلقة عن الحديث النبوي، وتاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم ليس كتاريخ أي زعيم.
إن كل كلمة من كلماته دين، تحتاجه الأمم والشعوب، ويتسابق الناس في تعلمه وتعليمه، وتدوينه، وحفظه، فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو المصدر الثاني لحفظ هذه المعجزات، والخوارق التي وقعت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث نهض اليه العلماء، وطافوا بكل مكان يحققون، ويدققون، وكان المشاهدون لتلك المعجزات آلاف, فمعظم هذه المعجزات الضخمة، الهائلة، كانت تقع في المعارك، وفي هذه المعارك آلاف يرون، ويشاهدون، ويعودون، ويخبرون، ونخبة من بين هؤلاء الذين شاهدوا عدداً من الناس اشتغلوا بالعلم، وحفظه, ولكنهم كانوا يروون ذلك، والرقابة موجودة، الرقابة من الحاضرين، وهناك من كان يشهد هذا الموقف، ثم لما تجرأ الناس بعد ذلك على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم نهض العلماء، علماء الحديث، يدونون، ويدققون، ويأخذون سند لكل حديث من الذي رواه، ويعرفون عن الراوي كل شيء، وعلاقاته، وأحواله الخاصة، وتصرفاته، ومعرفة إمكانياته العلمية، والعقلية، وشخصيته، وهل تلقى العلم من العلماء، أم لا، وطريق تلقيه لذلك العلم، وهل هو ضعيف، وهل هو ضابط.
وسجلوا بذلك الكتب التي اشتهرت بها أمة الإسلام، ولم تفعل أي أمة مثل ما فعلت أمة الإسلام في حفظ ما وقع لرسولها، وما قاله رسولها صلى الله عليه وسلم، فنحن أمة التوثيق، وأمة الحفظ، حفظنا كل ما جاءنا عن الرسول، واعتمدوا على تلك الأحاديث إذا كانت السلسة يرويها: العدل، يعني الثقة بدينه, حائزاً على التقوى، والورع، والخوف من الله.
الضابط الذي لديه الإمكانيات العلمية، والقدرات على ضبط المعلومة، وتدقيقها، وحملها كما هي.
وتبارى في ذلك العلماء، وسافروا من أجل حديث واحد، يسافر العالم منهم من أجل أن يحصل على حديث واحد، ويعود بخير كثير، وهكذا حفظ الله هذا الحديث برجال الحديث طوال التاريخ.
فإذن مصدرنا في الإخبار عن هذه المعجزات هو القرآن الذي تكلمنا عنه، الذي حُفظ، والمصدر الثاني هو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ضبطه علماء المسلمين.
غزوة بدر:
ونتكلم الآن عن غزوة بدر، وما جرى في هذه الغزوة .
خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ليعترض قافلة لقريش، وندب أصحابه لأن يخرجوا إلى تلك القافلة، فتجهز العدد، وهم حوالي ثلاثة مائة، وسبعة عشر شخصاً بالسلاح، لأنهم سيصطدمون مع حراس القافلة، لكن القافلة أدركت أن الرسول صلى الله عليه وسلم، سيتعرض لها فأتجهت بنفسها، وأرسلت تستنجد بقريش، أن محمداً يريد أن يتعرض لقافلتكم، فخرجت قريش بحاميتها، وفيها مائة فارس، والفارس قدرته بالميدان بعشرة، وعددهم يصل إلى الألف أو يقارب الألف، واتجهوا يريدون إنقاذ القافلة، لكن القافلة أفلتت من الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلم الرسول بأن قريش قد اتجهت إليه، فأستشار أصحابه، فسمع منهم ما أرضاه، وعند المسير، وجد هناك من يجادل، ويتكلم، ويزن المسألة بالعقل، يعني نحن خرجنا نقاتل قريش بأكملها التي أذلتنا، وحاربتنا، فسجل الله كل ذلك في كتابه القرآن العظيم، ولكن طريقة التسجيل القرآنية لهذه الحادثة فيها عبرة عظيمة.
ومنها ما حدث في نهاية المعركة، حين جُمعت الغنائم، فأختلف المسلمون على الغنائم، فالذين جمعوها قالوا هي لنا، والذين حاربوا الكفار قالوا: نحن شركاء لكم، والذين بقوا في حراسة النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: ونحن ماذا؟
فقالوا: نسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحتكم إلى رسولنا فجاءوا يسألون عن الغنائم، فأنزل الله قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ ]الأنفال:1],(1).
ثم أخذ يذكر لهم من هم المؤمنون، وأخذ يسرد عليهم ما جرى من بداية المعركة، والآن أنتم تختلفون على الغنائم، وتريدون الحكم فيها، أنا سأذكركم بالقصة، تركهم ولم يجب عليهم إلا بعد أربعين آية.
لكن في هذه الآيات ذكر لهم كيف كانت حالهم قال تعالى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ﴾ ]الأنفال:5-7].
سيدنا عمر رضي الله عنه يروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشير إلى مواقع القتل التي سيقتل فيها صناديد قريش، فأخرج عنه أحمد ومسلم والنسائي وغير هؤلاء أنه قال رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرينا مصارعهم بالأمس", أي بالليلة السابقة، يقول هذا مصرع فلان غداً انشاء الله تعالى، وهذا مصرع فلان غداً إن شاء الله تعالى.
قال: فجعلوا يصرعون عليها.
قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما اخطئوا فيك، كانوا يصرعون عليها"(2).
فهذا ما أخبرهم به الرسول صلة الله عليه وسلم، والله ما أخطأوا مصارعهم، وهذا ما كان قد بشر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم, لكن القرآن الكريم سجل على الصحابة رضوان الله عليهم قوله: ﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ﴾] الأنفال:7 ].
أي أنتم تريدون غير ذات الشوكة الجيش هو صاحب الشوكة، تريدون الغنيمة، تريدون القافلة، والآن تتكلمون عن الغنائم، ثم أخذ يذكر الله لهم ما جرى قال تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ ]الأنفال:9].
فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما علم أن قريشاً قد أقبلت وأخذ يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى، ويستغيث بالله، ويقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد بالأرض أبداً، ثم سقط الرداء، وأعاده أبو بكر وهو يطمئنه"(3)، وفي هذا نزل قول الله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ ]الأنفال:10].
ولقد أطمئنت نفوس الصحابة رضوان الله عليهم بمجيء الملائكة، كما تروي كتب الحديث عن الصحابة، وهم يروون لنا ما دار في هذه المعركة من تكثير أعداد المسلمين، ومن مساعدتهم بالضرب، وقطع رؤوس الكافرين، ومن أسر من تم أسره، وقد روى الصحابة رضوان الله عليهم في الأحاديث الصحيحة الكثير من هذا الذي رأوه، وشاهدوه في هذه المعركة، ولذلك قال الله: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ﴾ ]الأنفال:10 ], أي تطمئن به قلوبكم عندما ترون هذا العون الذي يجري في هذه المعركة بمساعدتكم، وهو عون من الملائكة, ثم المعركة ستكون في اليوم الثاني، ولا بد للجيش من الراحة والاطمئنان.
وقد أخبرنا القرآن أن بعض المسلمين يحسبون المسألة بالعقل، نحن ما خرجنا لمعركة، كما قال الله عنهم سبحانه وتعالى: ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ﴾]الأنفال:6]، فالله أكرمهم، وأزال عنهم هذا الخوف، وأنزل عليهم النعاس قال تعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾ ]الأنفال:11].
فأول شيء أنزل الله عليهم هو النعاس، حتى أن بعضهم كان ينام وهو أثناء تهيئته لمكان نومه، وغشيهم النوم جميعاً، فثبتت نفوسهم، وناموا نوماً طيباً، ولكن بالليل احتلم بعض الصحابة، فأصبح وقد أجنب، ويأتي الشيطان ويوسوس، كيف تدخل المعركة وأنت جنب؟ وإذا قتلت كيف تدخل الجنة وأنت جنب ؟ يشككهم.
فأنزل الله مطراً حتى يغتسل به الصحابة، ويتطهروا، وليذهب عنهم وسوسة الشطان، وكان هذا الماء معوقاً للكافرين، وكان سبباً في تثبيت الأرض تحت أقدام المسلمين أثناء سيرهم، لأنهم كانوا يسيرون ومعهم سبعون جمل، وكانوا يتعاقبون عليها، كل ثلاثةٍ على جمل.
فننظر الآن، والقرآن يذكرهم بهذا قال تعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ ]الأنفال:11].
ما هو رجز الشيطان؟
هو تلك الوسوسة التي كان يوسوس بها، كيف تدخلون المعركة وأنتم جنب.
الربط على القلوب.
شيء عجيب!!
ما علاقة هذا المطر بالربط على القلوب؟ ولماذا استعمال لفظة: وليربط؟
عندما درس القلب، وتم تشريحه، وعرفة عضلات القلب, وجد أن عضلات القلب عبارة عن عضلات خيطية تلف القلب دائرياً, وطولياً.
فإذا أردت أن ترسم لها رسما فتجدها لو كأنك ربطة حزمةً من الحزم بهذه العظلات الخيطية، فعندما يتوسع القلب ترتخي هذه العضلات، وعندما تشتد هذه العضلات كانك تربط القلب ربطاً، بسبب شكلها الخيطي، وكأنها رباطاً يربط القلب تماماً.
ويقول الأطباء: الإنسان عند الخوف يفرز بجسمه مادة الأدرينالين، وهذه المادة توجد الضربات بالقلب، و بسببها يحصل ارتعاش الأطراف، الأقدام، والأيدي فلا تثبت الأطراف أثناء السير، فنزول، وهذا الماء الذي بلل أجسامهم، وبردهم، وبرد الجو من حولهم، كان سبب في أمرين، الربط على قلوبهم لأنه يدرك أثر هذا الأدرينالين، وتنقبض العضلات التي هي بسبب خيوط، فتكون ربطاً على تلك القلوب قال تعالى: ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾ ]الأنفال:11].
. سواءًا أثناء السير، أو بثبات الأقدام، بزوال ذلك الارتعاش الذي قد يكون بسبب الخوف عند البعض.
فانظروا إلى هذا التسجيل لهذه الوقائع، وهذه الحوادث.
ثم جاءهم بعد ذلك بالحكم، وذكّرهم بعد أن ذكر لهم الحكم بشيء آخر حدث في أول المعركة.
ماذا حدث في بداية المعركة؟
عندما التقى الصفان يريد الله للمعركة أن تحدث، ويدفع إليها الكفار، ويدفع إليها المسلمين، فربنا جل وعلا قلل المسلمين في نظر الكافرين، وقلل الكافرين في نظر المسلمين، من أجل أن توجد لكل واحد العزيمة، وليندفع إلى القتال، قال ابن مسعود رضي الله عنه لقد قللوا بأعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل جنبي تراهم سبعين قال: لا، بل هم مائة لكنهم كانوا ألف، ثم قال: حتى أخذنا منهم رجل أسيراً ،فسألناه كم كنتم؟ قال: كنا ألف ، فالله قلل الكفار في نظر المسلمين، حتى أن عبد الله بن مسعود يقول: هل تراهم سبعين ؟ قال له: لا لا، تراهم مائة ؟(4).
كم الفرق بين ألف إلى مائة أو سبعون إلى هذا تشير الآية، ويسجل القرآن ذلك الخبر، ويسمعهم، ويشهدهم على ما حدث لتثبت هذه المعجزات، وليطمئن لها الناس إلى يوم القيامة قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ ]الأنفال:44].
من أجل أن تتم المعركة، سبحان الله!! هذا قبل المعركة، أما أثناء المعركة، وقد التحم الصفان.
ماذا حدث؟
نزلت الملائكة تأييداً للمؤمنين، فزاد عددهم، فأصبح الكفار يرون المسلمين مثليهم رأي العين، وسجل الله ذلك الأمر في كتابه، وفي حينه قال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ﴾]آل عمران:13].
بينما كان من قبل كل فريق يرى أن الفريق الآخر أقل من عدده الصحيح، بل إن الكفار عندما شاهدوا أن المؤمنين، والمسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة، وقللهم الله أيضاً في أعينهم، أيقنوا من أن النصر لهم، فأرادوا أن يحققوا نصراً معنوياً إلى جوار ذلك النصر المادي الذي تأكدوا منه، فأخذوا يدعون الله جل وعلا ليجعل نصره لمن كان على الحق من الفريقين، من أجل إذا تخلصوا من المسلمين، وقتلوا الرسول بزعمهم صلى الله عليه وسلم يقولون للناس بعد ذلك نحن قبل المعركة دعونا الله جل وعلا أن ينصر من كان على الحق منا، فلذلك ذكرَّهم القرآن بهذا الموقف الذي وقفوه قال تعالى: ﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْحُ ﴾ ]الأنفال:19].,(5).
يعني إذا كنتم تستفتح بأن الله ينصر من كان على الحق، فقد جاءكم، وقد رأيتموه، وقد عرفتموه.
وبعد هذا الكلام والبيان بالقرآن لمن دارت عليه المعركة، وكيف تحقق النصر، وكيف أنزل الله تأييده بالملائكة، والنعاس، والمطر قال تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ ]الأنفال:12].
سنسمع لبعض أقوال الصحابة رضوان الله عليهم الذي سجله لنا الحديث النبوي في هذا الأمر، بعد هذا يأتي الجواب على سؤالهم الذي بدأت به السورة قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ﴾ ]الأنفال:1].
ذكر لهم كيف سار الأمر، وذكر لهم كيف تحقق النصر الذي كان بسببه الغنائم التي يسألون الحكم بها، ثم جاء بعد ذلك الحكم قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ ]الأنفال:41].
سبحانك يارب!! يقول: إذا كنتم آمنتم بالله، وبما أنزلنا يوم الفرقان، يوم هذه المعركة الفاصلة بين المؤمنين، والكافرين، يا أيها السامعون، يا أيها المؤمنون، إذا كنتم مؤمنين بالملائكة التي أنزلت، وبالنعاس الذي أنزله عليكم، ومؤمنين بما أيدكم به من مطر ثبت أقدامكم، وربط فيه على قلوبكم، إن كنتم مؤمنين بذلك، فهذا هو الحكم.
فسجل القرآن في ذلك الوقت هذه الحوادث، وامتن بها على الحاضرين، فلو لم تقع، ولو لم تحدث؛ لكان المؤمنون سيقولون ما هذا؟ أيمتن علينا بما لم يقع، ويذكر ملائكة ما رأينا لها أثر، ويذكر لنا مطرا ما شاهدناه، ويذكر نعاساً نزل، ولا أحد منا جاءه هذا النعاس، ويذكر التقليل والتكثير ولا أحد منا شاهده، وسيكون ذلك سبباً لكفرهم والعياذ بالله.
ولكن ماذا كانت النتيجة ؟
قلب الجيش من الآلف إلى مائة فارس، وفي المسلمين في بعض الروايات هذه الحالة ما أن تبدأ المعركة في خلال ساعات قليلة، فتنتهي المعركة، وإذا بالمسلمين قد انتصروا، وقد قتلوا سبعين واسروا سبعين آخرين، بينما لم يقتل إلا عدد من المسلمين ، يصل إلى أربعة عشر شخصاً، وتروي أحدى الروايات أن أحد المسلمين عندما رأى الملائكة لم يحتمل هذا المنظر فجاءته مثل ما يقولون في عصرنا ألآن سكته، وآخر جاءه سهم طائش، وكان ما خرج للقتال، ولكن خرج ينظر إلى المعركة من بعيد، وبعض الذين خاضوا هذه المعركة يروون لنا ذلك.
ومما جاء في هذا أن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: "قال أبو طلحة: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم بدر، وكنت في من غشيه النعاس يومئذٍ، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط، وأخذه"(6) سبحان الله!! يحصل هذا في المعركة إنه الثبات الذي ثبتهم به الله عز وجل.
وأخرج أحمد في مسنده عن أبي داود المازني وكان قد شهد بدراً قال: "إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه، إذ وقع رأسَه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري"(7)، وكانت الملائكة تضرب فوق الأعناق، كما جاء في كتاب الله الكريم.
وأما العباس فقد أسره واحدٌ من ضعاف المسلمين، وهو من الأنصار، وهو قصير، وجاء به، وقال: هذا أسير, قال العباس: لا، يا رسول الله، ما أسرني هذا، إنما أسرني رجل آخر، كان على خيل، وكان له صورة أخرى حسنة، فأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن ذلك ملك أعان ذلك المسلم الأنصاري"(
.
ما أسلم الناس هكذا، وما أمنوا هكذا لمجرد أن الرسول قال لهم: أنا رسول الله، بل آمنوا، وأسلموا بعد أن رأوا المعجزات، ورأوا البراهين، فالمطر ينزل، والنعاس ينزل، والتكثير والتقليل للأعين، لكي تتم هذه المعركة، ويرون ذلك، ويشاهدونه، ويسجله القرآن في حينه، ويسمعهم إياه، فيزدادون إيماناً، واطمئناناً، وثباتاً، وشهادةً من أعماق قلوبهم، بأن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن سُجلت لنا هذه المعجزة في أعظم سجل، في كتاب الله، وقرئ هذا القرآن على الحاضرين من المتعادين من المؤمنين، ومن الكافرين، وسمعه الفريقان، وما أنكر واحد من ما سُجل، ثم حُفظ لنا هذا القرآن، وكذلك حُفظ لنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، بهمم العلماء، وجيوش العلماء التي انطلقت تدقق، وتفحص، وتضبط، فلا تقبل حديثاً إلا أن يكون قد وصل بسند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا يطمئن المسلم وهو يسمع تلك المعجزات، من مصدرها الموثوق بها في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشهد أن محمداً رسول الله، وكل عاقل لابد أن يقف محترماً لهذا السجل التاريخي الذي وثّق كل شيء في حينه، وسمعه الحاضرون في حينه، ويثق بما قام به الأوائل من توثيقٍ لهذه المعجزات.
مراجعة: عبد الرحمن الصبري المصدر موقع جامعة الايمان