بسم الله الرحمن الرحيم
براهين الإيمان
الحلقة (15)
قد تكلمنا فيما مضى عن أدلة الإيمان بالله سبحانه وتعالى وعن أدلة الإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم وتكلمنا عن أدلة الأيمان باليوم الآخر هذا اليوم الذي تسير إليه الأجيال وتسير إليه ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ﴾ [ الأنعام :61 ] ويبدأ التكريم أو الإهانة للذين يتجهون لليوم الآخر من لحظة الموت ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام :93] فليتقى الله الذين يوجهون الناس ويفتون ويعلمون الناس الدين، ليتقي الله أرباب العلم الذين يقفون وراء الكلمة, روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "إذا خرجت روح العبد المؤمن تلقها ملكان يصعدان بها, قال حماد فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال ويقول أهل السماء ريح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك وعلى جسدك وعلى جسد كنتم تعمرينه فينطلق به إلى ربه عز وجل فيقول المولى انطلقوا به إلى أخر الأجل ".
الصلاة من الملائكة الدعاء وأما الكافر إذا خرجت روحه ، قال مما وذكر من …. وذكر مقته ويقول "أهل السماء روح خبيثه جاءت من قبل الأرض فيقال انطلقوا به إلى أخر الأجل" قال أبو هريرة رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ربطه كانت على أنفه(1) كي يبين نتنه وخبث تلك الروح ,
ويبدأ عذاب القبر كما جاء عن عائشة رضي الله عنها "إن يهودية دخلت عليها [على عائشة] فقالت نعوذ بالله من عذاب القبر ، فسألت عائشة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم عذاب القبر حق"(2) .
ويبدأ العذاب من بعد الموت قال تعالى مشيراً إلى هذا العذاب ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾[ غافر:46 ] فآل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً وإذا قامت الساعة يكون حساب آخر.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: فإن أرواحهم تعرض على النار إلى قيام الساعة فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار .
بعض المتشككين يتسأل ويقول: كيف يكون هناك عذاب القبر وبعض الأجزاء تكون قد تمزقت أو احترقت أو قد تكون أكلتها سباع وتوزعت تلك الأجزاء الظاهر من كلام ابن كثير أن العذاب يكون على الروح وهذا باطل والذي يمنع أن يكون عذاب يتصل الروح بالجسد فالله قادر على كل شيء ألست ترى الآن الكلمة التي تسمعها الآن عن طريق التلفزيون كلمة تنتقل إلى ألالاف بل الملايين من الأجهزة كلها تتكلم بحركة واحدة وتقدم صورة واحدة كيف ذلك مع أنها موزعة على أجزاء الأرض أفلا يستطيع المولى عز وجل أن يوصل العذاب إلى كل جزء من أجزاء ذلك البدن مهما كان قد توزع فالله قادر على كل شيء .
وإذا جاء اليوم الموعود وبدأ النفخ في الصور المرة الأولى والمرة الثانية وقام الناس من أجسامهم كما مر بنا في الحلقة الماضية بعثت الأجسام وسكنتها الأرواح فإذا هم قيام ينظرون أين يذهبون بعد ذلك ؟! إلى أرض المحشر قال تعالى : ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ*خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ* مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ﴾ [القمر:6-8]
سبحان الله لقد جاءت هذه الآيات وهذا التهديد تعقيباً على الذين قالوا لما وقع انشقاق القمر قالوا هذا سحر فهددهم القرآن بهذه الآيات أي فتولى يا محمد عن الذين قالوا إن انشقاق القمر سحر وانتظرهم يوم يدعوا الداعي لأنهم يكذبون بكل آية تأتيهم بين أيديهم فتكون أبصارهم ذليلة ويخرجون من القبور مسرعين كما أشارت الآية ثم يكون الحشر قال تعالى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً ﴾ [مريم :85-86] فالوفد يكون مركوم والوفد مراكب على خلائق ليس مثلها على خلق مما يخلق الله ليس له مثيل وآخرون يحشرون على وجوههم وآخرون من المتكبرين يحشرون بحجم الذر فتطأهم الأقدام جزاء تكبرها في الدنيا.
وعن هؤلاء الذين يحشرون على وجوههم يقول الله جل وعلا ﴿ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾[ الفرقان:34 ] وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الناس يحشرون على ثلاثة أصناف فقال عليه الصلاة والسلام: "يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنف مشاه وصنف ركبان وصنف على وجوههم؛ قيل ، يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم قال : إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم"(3) إلى أين هذا المساق ؟ إلى الموقف العظيم الذي يستمر خمسين ألف سنة ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ* لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ* مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ* تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾[المعارج:1-4] فيوم الموقف عند الله, الناس يحشرون جميعاً ينتظرون فصل الحساب خمسين ألف سنة وتدنوا الشمس وتقترب من الناس وهي في خلق يتناسب مع ذلك الموقف إن السنن كلها تتغير معظمها من لذلك ونور الشمس حتى تكون قدر ميل أو ميلين مع ما يتناسب مع تلك الظروف وذلك الحال ويحرق الناس من شدة حرها ومنهم من يكون العرق إلى عقبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يصل إلى صدره ومنهم من يلجمه العرق ومنهم من يظله الله وهؤلاء الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله ذكر الحديث منهم سبعه أخرج البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, الإمام العادل, أي الحاكم الذي يحكم أمته على كتاب الله وسنة رسوله, وشاب نشئ في عباده ربه, شباب قوة وطاقة صرف هذه الطاقة في عبادة الله , ورجل قلبه معلق بالمساجد, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, يجتمعان لأمر يرضى الله ولإعلاء كلمته وافترقا ليقوم واحد منهم بأمر أوجبه الله عليه فالاجتماع والافتراق من أجل الله جل وعلا , ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله, المرأة الجميلة مطمعة فكيف إذا كانت صاحبة منصب وهي تدعوه فيمسك إيمانه , ورجل تصدق فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, فهو لا يتظاهر بالنفقة إنما يكتمها ويتستر , ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه"(4) من خوف الله تعالى .
وفي هذا الموقف الشديد يذهب الناس يريدون أن يفصل الله تعالى من شده هذا الموقف وأن يحاسبهم وأن يقضى بينهم فيذهبون إلى رسل الله يذهبون إلى آدم عليه السلام بعد ذلك إلى سيدنا نوح وهكذا إلى سيدنا إبراهيم ثم إلى سيدنا موسى ثم إلى سيدنا عيسى وكل واحد يدفع عن نفسه فيعتذر ويقول إن الله لم يغضب غضباً على لا أستطيع حتى يأتونا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيتقدم لها وهذه هي الشفاعة شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم التي أعطيتها فيشفع بفصل القضاء فيلهمه الله جل وعلا الدعاء والتحميد فيذهب ويسجد تحت العرش ويدعو الله عز وجل فيستجيب الله له كما نرى هذا الموقف مسجلاً من كتاب الله ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ﴾ [البقرة:210] يأتي الله جل وعلا يوم القيامة بفصل القضاء كما بينة هذه الآية ويعرض الناس جميعاً على رب العالمين صفاً واحداً قال تعالى ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ [الكهف:49 ]وقال تعالى: ﴿ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِداً ﴾ [الكهف:48 ] هذا هو الموعد وهذا هو يوم العرض وهذا هو يوم الحساب الآية تشير إلى أن هناك كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، فيأتي بالأعمال نفسها وليس بصورها فأنتم الآن تشاهدونها صورة وتسمعونها كلاماً، استطاع الإنسان أن يسجل لنفسه ولغيره صوته وكلاه فما بالكم بالله رب العالمين إن الله يأخذ نسخة من العمل نفسه ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية:29]
بل قد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يفسر ما جاء بقوله تعالى ﴿ إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا* وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا*وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا* يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ [الزلزلة :1-4], سئل الرسول صلى الله عليه وسلم قال : أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال عليه الصلاة والسلام:" فإن أخبارها أن تشهد على عبد وأمة بما عمل على ظهرها أن تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا "(5) , وبقيت الآية تفسر ذلك ﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا* يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ* فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ* ﴾ [الزلزلة :5-8] علماء عصرنا بحثوا هل الأعمال تبقى فقالوا لو أن أحداً وضع يده ثم ضغطها جاءوا بآلة تصور بالأشعة الحرارية فاستطاعوا أن يصوروا أي شخصاً كان في أي مكان بعد أن قام من مكانه لمدة ساعة ثم طوروها إلى أن استطاعت أن تصور بعد يوم وبعد يومين حتى أنهم استطاعوا أن يصوروا السيارة ومن ألوان السيارة التي مرت منذ يوم أو يومين يستطيعون معرفة كم كانت سرعتها. هذا يعني أن العلم له أثر باقي ومن هذا الأثر تمكنت هذه الكاميرات أن تصور القرآن يخبرنا أن الأرض تشهد عليهم وأننا سنرى أعمالنا وتلك من شهدتها علينا ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ* فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ* ﴾[الزلزلة :6-8] ويبدأ الحساب ثم في أثناء هذا الحساب عن عبدا لله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كتفه ويستره فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنبك ذا"(6), مناقشة خاصة ومحاورة خاصة بين الخالق وعبده .
وقد ستره من الناس ويعرفه به ويقرره به حتى إذا قرره بذنوب ورأى في نفسه أنه هالك يقول الله سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته وأما الكافرون والمنافقون فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ويكون الحساب من الناس من يكافأهم الله ويكون أجرهم على الله وهؤلاء هم الصابرون وهم في مقدمة الذين لا يكون عليهم لا حساب ولا سؤال قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر :10] هؤلاء لا حساب عليهم لأنهم صبروا على البلاء الذي ينزل بالناس قال تعالى﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ﴾ [البقرة::155 ]صبروا رغم الشدائد ورغم المحن وكان بالإمكان أن يتخلصوا منها ولكن بمعصية لله فأبو ذلك. وصبروا على الطاعة كالصلاة في وقتها ، والصيام ، والزكاة ، والحج، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, أن تخضع نفسك ضد شهواتها وضد هوائها أن تكفها عما حرم الله وتصبر على ذلك والصبر عن المعاصي فأهواء النفس تحركك وشهواتك فعند إذ يتحقق الصبر بهذه الثلاثة العناصر هؤلاء لا حساب عليهم وهناك سبعون ألفاً من أمة محمد يدخلون الجنة وليس عليهم أي حساب وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم فقال : "معهم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون", وفي رواية : "أن الرسول طلب من الله تعالى أن يزيدهم فأعطاه مع كل واحد من السبعين ألف سبعين ألف", عكاشة بن محصن سأل الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخبرهم هذا الخبر فقال : أنا منهم يا رسول الله فقال ، نعم فقام أخر وسئل نفس السؤال فقال صلى الله عليه وسلم: "سبقك بها عكاشة"(7).
وهناك من يحاسب حساباً يسيراً ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً* وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً* وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً* وَيَصْلَى سَعِيراً﴾ [الانشقاق :6-16] يده الشمال ملوية إلى وراء ظهره ، أخرج أحمد وابن حبان والحاكم وصححه أن عائشة رضي الله عنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت : قلت ما الحساب اليسير؟ قال: "أن ينظر له في كتابه فيتجاوز عنه, إنه من نوقش في حسابه هلك"(
أول من يحاسب:
أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن أول من يحاسب يوم القيامة هم هؤلاء" إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأوتي به فعرفه نعمة فعرفها قال بما علمت فيها قال : قاتلت فيك حتى استشهدت قال : كذبت لكنك قاتلت لكي يقال جريء فقد قيل ذلك ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأوتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما علمت بها قال ، تعلمت العلم وعلمته وقرأت القرآن قال كذبت بل تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأوتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما علمت فيها قال : ما تركت في سبيل تحب أن ينفق فيها لك إلا أنفقت. قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار"(9) , شأنهم أنهم كانوا يريدون بذلك وجه الله كانوا يريدون شيء آخر أما من كان قصده من هؤلاء وجه الله ثم جاءه بعد ذلك ثناء فليس ذلك الثناء هو المقصود إنما المقصود ما عند الله سبحانه وتعالى فإن جاء بعد ذلك فهذا إن شاء الله من عاجل بشرى المؤمن بالخير .
أما أول ما يحاسب عليه فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء"(10) .
فأول ما يحاسب عليه العبد الصلاة فإن صلحت صلح باقي العمل وإن فسدت فسد باقي العمل وأول ما يقضى بين معاملات الناس الدماء .
يعرض الناس على ربهم ثلاث عرضات كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعند ذلك تطاير الصحف فأخذ بيمينه وأخذ بشماله "(11) , قال تعالى: ﴿ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ* وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ* يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة :16 -18 ] ويسأل الناس يوم القيامة عما كانوا يعبدون من دون الله ويسألون عما كانوا يعملون كما قال تعالى: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ ﴾ [الحجر:92 ] ويسألون عن الرسل ويسأل الرسل يوم الحساب .
قال تعالى: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ* فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ ﴾ [الأعراف:6 ] وما كان الله غائب بل شاهد على كل شيء سبحانه وتوضع موازين القسط ويسأل الناس عما كانوا يعملون كما جاء في الحديث: "لن تزل قدما عبد حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه"(12) .
يسأل كل منا عن النعيم ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر:8] , ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النحل:18 ].
ويسأل كل واحد منا عن المعلومات التي يقولها ويتحدث بها ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾[الإسراء:36 ] .
ويشهد علينا سمعنا وأبصرنا وجلودنا ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [فصلت:20 ].
فالشهود أجسامنا جوارحنا أن الله كان يعمل كل شيء وتشهد علينا الرسل والملائكة والأرض ، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن بعد هذا كله توزن الأعمال ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [ الأنبياء:47 ] موازين تتناسب مع الأعمال ألست ترى أن نزن التيار الكهرباء فليس كله أثقال والأعمال لها موازين توزن بها ﴿ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء :47 ] ﴿ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ* وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ* فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ* نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ [القارعة :6-11].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،