بسم الله الرحمن الرحيم
براهين الإيمان
الحلقة (16)
الجنة
حديثنا في هذه الحلقة عن الجنة التي أعدها الله لعباده المؤمنين الله جل وعلا خلق لنا أدوات للعلم وبث لنا آيات في الكون وأرسل لنا رسلاً أيدهم بالمعجزات فعرفونا بربنا وبمصيرنا الذي نتجه إليه بعد هذه الحياة الدنيا وأخبرنا الله جل وعلا عن الجنة التي أعدها لعباده المؤمنين وهو الذي خلقها وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الجنة وهو الذي زارها هذه الجنة هي خالدة بأهلها الذين يدخلونها ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً* خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ﴾[الكهف :107-108].
وهذه الجنة التي أعدها الله لعباده وفيها الخلود والأبدي بعض الناس يسألون ما هو الخلود ما معنى إنه حياه بغير زمن يا أخي إذا دخلت في النوم فإنك لا تشعر بالزمن والآخرة كذلك سننها ونظمها تختلف عن سنن هذه الحياة .
إن هذه الجنة لا مثيل لها كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً﴾ [الإنسان:20 ] ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة:17 ] هذه الجنة إذ وصل إليها وفدها المؤمنين الذين يستحقون الجنة فتحت أبوابها ﴿ حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزمر:73 ] هذا التكريم الأول من خزنة الجنة على أبواب الجنة يجدون هذا الترحيب وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن بناء الجنة فقال : "هي لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك"(1) أي الأسمنت الذي يربط بين هذه وتكل كما جاء في الحديث ، والجنة درجات كما قال تعالى: ﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء:21 ] انظروا إلى التفاضل في الدنيا والآخرة أعظم وقد جعل الله درجات عالية للمجاهدين كما قال تعالى: ﴿ وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [النساء:95 ] وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ما بين الدرجة والدرجة كما بين الأرض والسماء وفي الجنة مائة درجة وإذا دخل الداخلون وجدوا قصوراً وصفها الله سبحانه وتعالى فقال : ﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ [التوبة:72 ] وكما قال تعالى: ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [الزمر:20 ].
وجاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام"(2).
وفي الجنة خيام ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾ [الرحمن:72] , وعن عبد الله بن قيس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلوه واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن"(3).
وفي الجنة أنهار تجري من تحت عباد الله ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ﴾ [محمد:15 ] فهذه الأنهار تجري في الجنة قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث أنس رضي الله عنه: " بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حفتاه قباب الدر المجوف قلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك"(4).
وفي الجنة عيون ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [الذاريات:15 ] .
وفي الجنة أشجار قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً ﴾ [النبأ :32-31 ], وقال تعالى: ﴿ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴾ [الرحمن :68 ] .
وفواكه الجنة كثيرة متنوعة قال تعالى: ﴿ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ [الواقعة :21 -22] ﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ﴾ [الواقعة :32-33 ].
منهم أهل هذه الجنة ؟؟؟
إنهم المؤمنون, ولكن يجب أن يتهيأوا لما كان منهم أحقاد وظغائن في الدنيا فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أخبرنا أن المؤمنين يحبسون في قنطرة ما بين الجنة وما بين النار فيقتص لبعضهم من بعض" قال صلى الله عليه وسلم "فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض …"(5) لم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فو الذي نفسي بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان بالدنيا لكن بعد أن ينقوا، قال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ ﴾ [الأعراف :43 ] .
وأول من يدخل الجنة هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقرع باب الجنة ثم تدخل بعد ذلك أمته وأول زمرة تدخل الجنة جاء وصفها في الحديث الذي رواه البخاري عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : "أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب أمشاطهم من الذهب والفضة ومجارمرهم الألوه "وهذه هي طيب" ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن"(6) .
فانظر النساء المؤمنات في الجنة مع أزواجهن وكيف يتزين وكيف يخلقهن الله سبحانه وتعالى ثم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "لاختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيا"(7) .
والمساكين هم عامة أهل الجنة ويسبق الفقراء والأغنياء ثم يدخل الأغنياء بعد ذلك ثم يأتي الدور على الذين دخلوا النار وعذبوا فيها على قدر أعمالهم وكانوا من أهل الإيمان ولكن كانت لهم معاصي ثقلت في الميزان فاستحقوا أن يدخلوا النار هؤلاء يخرجهم الله من النار عندما يأذن بالشفاعة قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد قال: "أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بخطاياهم فأماتتهم في النار"(
.
والشفاعة التي تكون ليست كالشفاعة التي نعهدها في الدنيا فإن الشفاعة التي نعهدها في الدنيا تكون بدون إذن الذي سنشفع عنده وتكون لمن لا يرضى عنه من الشافعين, أما الشفاعة التي تكون عند الله فلها شروط قال تعالى: ﴿ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِه﴾[البقرة:255]:
1- إذن الله تعالى .
2- أن يرضى عن من يشفع له قال تعالى: ﴿ َعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء :28 ]
3- الإذن للشافع أن يكون أهل يستحق ذلك : ﴿ وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم :26 ]
وبغير ذلك الشفاعة التي نظنها نحن في الدنيا فهذه لا تنفع كما قال تعالى: ﴿ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر :48 ]ويشفع الرسول صلى الله عليه وسلم ويشفع الشهداء ويشفع الصالحون ثم يخرج الله برحمته من شاء .
آخر أهل الجنة دخولا إليها:
وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم كما روى مسلم عن أخر شخص يخرج من النار ويدخل الجنة وله هذه القصة "قال إني لأعلم أخر أهل النار خروجاً منها وأخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبواً فيقول الله له أذهب فأدخل الجنة فيأتيها فيتخيل إليه أنها ملئ فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملئ فيقول الله عز وجل أذهب فأدخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا فيقول أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك قال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضح حتى بدت نواجذه"(9) فكان يقال هذا أقل أهل الجنة .
أما الشهداء فإنهم يدخلونها لمجرد موتهم ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران :169]
وللجنة ريح طيبة عبقة تشم من مسيرة أربعين عاماً .
والذين يرثون الفردوس والذين يستحقون دخول الجنة هم الذين أمنوا وعملوا الصالحات ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً ﴾[ الكهف:107] ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: 25]هم أهل الإيمان – أهل الإخلاص .
وقال الله تعالى:﴿ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [الصافات:40-43] وتخبرنا سورة المؤمنون ببعض صفات الذين استحقوا الفردوس الأعلى قال الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون:1-11]
وأطفال المؤمنين يدخلون الجنة وكذلك أطفال المشركين ففيه خلاف بين العلماء والراجح أنهم يدخلون لأن الله تعالى يقول ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الإسراء:15] .
وأما نعيم الجنة فأهل الجنة منعمون شباب لا يهرمون في سنة 33 يدخل أهل الجنة جرداً مرداً قال صلى الله عليه وسلم "يدخل أهل الجنة جرداً مرداً كأنهم مكحلون أبناء ثلاث وثلاثين"(10) ولأهل الجنة طعاماً شهي ، ما يتمناه الإنسان ولهم شراب لذيذ قال تعالى: ﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ [الواقعة:20-21] وقال الله تعالى: ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزخرف:71].
وشراب أهل الجنة كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً ﴾ [الإنسان:5-6].
وكما قال تعالى : ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين:20-26], والرحيق المختوم هو الخمر خمر أهل الجنة وهو خمر لا يخالط العقول ولا يسبب الأمراض للأبدان وإنما هو لذة كلما شرب منه الإنسان ازداد له لذة وتمتعاً .
وماذا عن بقايا الطعام والشراب ؟
جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إن أهل الجنة يأكلون ويشربون لا يتفلون ولا يتبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ، قالوا : فما بال الطعام يا رسول الله ؟ قال : "جشاء كجشا المسك" (11) .
وأما آنيتهم فمن الذهب والفضة, وأما لباسهم فقد قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾ [الإنسان:20-21], والسندس: هو الحرير الرقيق, والإستبرق هو الحرير الغليظ ﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً [الكهف:31] لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم شباب على الدوام كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم وللجنة فرش وهذه الفرش كما قال تعالى: ﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ﴾ [الغاشية :10-13 ]
والنمارق هي الوسائد ، والزرابي هي البسط التي تنتشر في الجنة هنا وهناك ليتكئ عليها أهل الجنة. أما السرر مرفوعة إذا أراد أن يصعد عليه المؤمن ويرفعه بعد ذلك وسرر مزينة بالذهب والديباج وهناك خدام يخدمون أهل الجنة إنهم الولدان المخلدون قال تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً ﴾ [الإنسان:19].
وهناك نساء في الجنة وهن الزوجات الصالحات كما قال تعالى: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ *سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد:23-24]
فهم وأزواجهم ولهم أيضاً زوجات من الحوريات ويعطى الله سبحانه وتعالى الرجل من القوة والباءة القوية ويعطيه قوة مائة رجل كما جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما أحوال الجنة فأهلها لا يريدون التحول عنها قال تعالى: ﴿ لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ﴾ [الكهف:108] وتجدد لهم النعم قال تعالى ﴿ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً ﴾ [البقرة:25] يفاجئون أن هذا رزق جديد وليس له من الأول إلا الاسم أو الشكل فهو نعيم متجدد ، ونساء الجنة مطهرات فليس هناك حيض ولا نفاس ولا بصاق ولا مخاط ولا غائط ، ولأهل الجنة أسواق يذهبون إليها كما جاء في الحديث "إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح المشال فتحث في ثيابهم ووجوههم فيزدادون حسناً وجمالاً فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً فيقول لهم أهليهم والله لقد أزدتم بعدنا حسناً وجمالاً فيقولون وأنتم والله لقد أزدتم بعدنا حسناً وجمالاً"(12) .
نعيم فوق نعيم ومتعاً عظيمة ولهم بعد ذلك ما يشاءون وما يتمنون ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ *لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [قّ:34-35]
وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم "أن الرجل من أهل الجنة تمنى على الله جل وعلا بعض الأمنيات "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان يتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم وعنده رجل من الأعراب "من البادية" فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له ألست فيما شئت فقال : بلى ولكن أحب الزرع "يقول لربه أنه يحب الزرع" فبذر فبادر الطرق نباته واستوائه واستحصاده" أي بسرعة فنبت النبات وحصد وجمع فكان كأمثال الجبال فيقول الله تعالى "دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء ، فقال الأعرابي الذي كان حاضراً قال والله لا تجده إلا قرشياً أو أنصارياً فإنهم أصحاب الزرع أما نحن فلسنا بأصحاب زرع(13) .
وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كلما اشتهيت لك ما تتمنى, لك ما تريد, ثم يحن أهل الجنة لبعضهم ويتزاورون ويتناقشون فيما بينهم عن هذه الدنيا التي مرت بهم وعن أهل النار وعن إخوانهم وعن ما جرى ، فيخبرنا القرآن بشيء من هذا اللقاء الذي يقع بين أهل الجنة قال تعالى: ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يقول أءنك لمن َقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إلا إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴾ [الصافات:50-66], يتحدث أحد أهل الجنة فيقول: إني كان لي صديق يقول لي أبعد أن نكون تراب وعظام سوف نحاسب فلا يدري أن الذي خلقه أول مرة من لا شيء قادر على إعادته مرة أخرى. ثم يقال لهم هل تريدون الإطلاع عليه فرآه في وسط جهنم" .
وفي الحلقة القادمة نتكلم عن أهل النار وعن أحوالهم وعن صفاتهم وعن صفات النار التي أعدها الله للعصاة الكافرين المشركين والمنافقين ونحن الآن مع أصحاب الجنة ويقع محادثة فيما بين أهل الجنة وأهل النار كما قال تعالى: ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف:44], فيقول أهل الجنة إنا وجدنا ما وعدنا ربنا فقد رأينا الجنة ورأينا القصور ورأينا الخيام ورأينا الطعام واللباس وكل ما أخبر به تعالى كان حقاً فهل وجدتم أنتم مقامع الحديد وطعام غسلين والحميم وعذاب النار وفرش نارية .
وأهل الجنة لهم دعاء عندما يدخلون الجنة ويرون هذه الجنة ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [الزمر:74]
ويسبحون الله بكرة وعشيا وروى مسلم أنهم يتلذذون بذلك التسبيح روى الأمام مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : يلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النفس "(14) لأنه لا شفعة فيه ولا تكليف فيه ولكنه لذة وسعادة أن يحمدوا الله جل وعلا على ما هم فيه من النعم هذا وعد الله الذي ننتظر, وعد الله الذي سيراه المؤمن, ما بينك وبينه إلا أن تموت فترى مقعدك من الجنة والعياذ بالله أن يرى الكافر مقعده من النار.
ونسأل الله أن يجعلنا من الفائزين, وهذا ما أعده الله لعباده المؤمنين ألا يستحق أن نشمر، ألا يستحق أن نجتهد كما فعل آباؤنا وأجدادنا وأسلافنا الذين صدقوا الله فسخر الله لهم الدنيا فكانوا سادتها عاجلاً في الدنيا جاءهم الخير وأجلاً أعد الله لهم هذا الخير في الآخرة .
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من عباده الصالحين والحمد لله رب العالمين .
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،،
موقع جامعة الايمان